الأحد 19 يناير 2025 08:42 مساءً
حفنة كلام
الأحد 19/يناير/2025 - 08:39 م 1/19/2025 8:39:53 PM
قبل أعوام كنتُ مدعوًا على عشاء مع مسئول سعودى كبير، كان المطعم فوق بُرج عال فى مدينة الرياض، تحدثنا عن الفتاوى التى ضيّعتْ بعض شبابنا وجعلتهم يقتلون أنفسهم ويقتلون غيرهم ممن لا يعادوننا ولا نعاديهم، تحدثنا عن ترك المذاهب والتشبث بمذهب واحد مفروض فى المدارس والمساجد والجامعات والإعلام وكأن ما سواه ليس من الإسلام، كيف استند دعاة التشدد والتكفير إلى هذه الآراء التى لا أساس لها، تحدثنا عن تغييب العقل لينتصر تجار الدين الذين حذّر منهم ابن رشد لأن تجارتهم رابحة، لكن فاجأنى المسئول مبتسما : سيعود التنوير و ستنتشر روايات التسامح وتقبّل الآخر وتعدّد الآراء مع عدم تخطئتها، كان الكلام مُدهشا لى، لكنْ وقفَ وطاف بنا فى أرجاء البرج وأشار هنا سوف يُبنى دار للأوبرا ومركز للثقافة هناك، هنا نبنى دارًا للسينما وأخرى للمسرح، بدا الكلام غريبا وكأنه أحلام مسئول، جلسنا ولم أكن مصدقا ما يقوله، كيف لهذه القوى التى أعطت نفسها حق امتلاك الحقيقة دون الناس فهى الآمرة الناهية، وهى التى تحدّد الصواب والخطأ وتتدخل فى حريات الناس الشخصية، كيف لهذه القوى أن تتوارى وتسمح بالتغير؟ وكيف للقوى خارج المملكة أن تعيش وهى تقتات على موائد هؤلاء المتشددين ليكونوا الأذرع لها عند الضرورة؟ بدا الحوار عبثيا, ثم طلب منى المسئول أن أشرح له فكرة قصور الثقافة حيث كنت أرأس الهيئة العامة لقصور الثقافة آنذاك وبعد أن انتهيت طلب أن أصنع تصورا مشابها لقصور ثقافية فى أرجاء السعودية تنشر التنوير والثقافة, وأردف قائلا: "نأخذك شهرا عندنا"تركتُ الهيئة العامة لقصور الثقافة بعد عودتى مباشرة واستمر المشروع الثقافى هناك لأفاجأ أن ما توهمته حلما فى كلام المسئول الكبير كان اتجاها ورؤية بدأت وها هى أمامنا تتحول إلى واقع كبير. فهل نرى المذاهب الإسلامية المتعددة فى مناهج المدارس السعودية وجامعاتها دون الانتصار لمذهب دون الآخر؟ وهل نجد الوسطية بديلا عن التشدد، ربما كانت زيارة الأمير محمد بن سلمان للشيخ الأكبر أحمد الطيب شيخ الازهر تغييرا فى بوصلة الفكر هناك، هل نرى ما تم حذفه من فتاوى ابن تيمية وآرائه فى التصوف , حيث نشرت السعودية آراء وفتاوى ومؤلفات ابن تيمية كلها ماعدا ما قاله احتراما وانتصارا ًللتصوف، لماذا غيّبوا أن بعض أئمة التصوف كانوا حنابلة وألا تعارض بينهما، هل نسى هؤلاء أن عبدالقادر الجيلانى المتصوف كان حنبليا. هل نرى وأْدا للفتاوى المتطرفة التى استند عليها غلاة التشدد والتطرف؟ لقد حكى لى أحد الأساتذة من البوسنة أن السعودية قد ساعدتنا لكن ما يحزن هو اشتراط بعضهم أن نتحول إلى الوهابية، فلماذا لا يتركوننا على مذاهبنا الاسلامية ويدعون غير المسلمين إلى ذلك ؟ ربما حدثت فى النهر شئون، وشبه الجزيرة لم يعد شبها لما كان، فهيهات أن يعود النهر للوراء.