التدخل الحكومي والدعم، لا يحتاجان بالضرورة إلى تحميل موارد الخزينة أموالاً أو أعباء إضافية.. التدخل المطلوب والأمثل هو التشريع والتنظيم، والأهم من كل ذلك هو الاقتراب من نبض السوق، ومعايشة شؤونه، ومعرفة حاجات الناس، سواء كانوا من المستثمرين، أو المستخدمين والمستهلكين، بما يصب في المصلحة الوطنية العليا، ورؤية الحكومة.
وهناك دائماً قرارات استراتيجية لا تحتاج إلا لبعد نظر كي تحقق الرؤية والهدف المطلوبين، وهي قرارات تمر مرور الكرام عند اتخاذها، لكنها تترك أثراً كبيراً في المستقبل الذي يفترض أن يتم رسمه بعناية لتحقيق الأفضل للبلاد والعباد.
عندما قرأت إعلان دائرة الأراضي والأملاك في دبي عن السماح بتحويل أراضي بعض المناطق في دبي إلى نظام التملك الحر، عادت بي الذاكرة 30 عاماً إلى الوراء عندما اتخذ الشيخ محمد بن راشد في العام 1995 قراراً شجاعاً بزيادة الأدوار المسموح ببنائها على الأراضي المطلة على شارع الشيخ زايد، إلى 50 دوراً بعد أن كان الحد الأقصى للبناء لا يتجاوز أل 20 دوراً.
القرار الذي أمر به صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، لم يكن عادياً بالنسبة لمدينة دبي التي كانت تتلمس خطواتها الأولى كمدينة عالمية بكل المقاييس، فقد حوّل هذا القرار الشارع الحيوي، الذي كان الوحيد الذي يربط أبوظبي بدبي مع بقية الإمارات إلى أيقونة معمارية تدل على عظمة وقوة المدينة، لا بل ورمز لمدينة المستقبل ولرؤية محمد بن راشد.
عندما اتخذ سموه القرار، وكان آنذاك ولياً لعهد دبي، إنما أراد أن يربط اسم دبي بالأبراج وبالعمران والحداثة، وبالتحدي والقدرة على محاكاة المستقبل، لا سيما أن الشارع كان يضم في بدايته أطول برج على مستوى دول الخليج آنذاك، وهو برج المركز التجاري العالمي، الذي ما زال إلى وقتنا الحالي تحفة معمارية بناها المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، طيب الله ثراه، في وسط الصحراء آنذاك ليؤكد مكانة الإمارة التجارية، وتطلعاتها للمستقبل.
اليوم يأتي قرار السماح لملاك العقارات من أصحاب الملكيات الخاصة بتملك حر ل128 أرضاً ضمن المنطقة الواقعة من دوار المركز التجاري إلى القناة المائية على شارع الشيخ زايد و329 قطعة أرض في منطقة الجداف، في إطار المكاسب المتبادلة والمشتركة، للسوق العقاري عموماً وللمستثمرين على وجه الخصوص، وبما يسهم في زيادة الجاذبية الاقتصادية لمنطقتين تقعان في قلب دبي النابض بالحياة.
ويواكب هذا القرار الطلب الاستثماري، ويعزز مكانة دبي في مجال الاستثمار العقاري، بما يحقق أهداف استراتيجية دبي للقطاع العقاري 2033، وزيادة حجم التعاملات العقارية 70% خلال أل 10 سنوات المقبلة، وتعزيز قيمة التداولات إلى تريليون درهم.
مثل هذه القرارات لا تقتصر على القطاع العقاري فحسب، وإنما هي مطلب يعم كل القطاعات، وما يعنيه ذلك من فائدة للجميع.
خارج الإمارات يقول لك البعض عند الحديث عن إنجازات ومكانة الإمارات، أنها تملك موارد مالية كبيرة ولهذا نجحت، لكن الواقع أن الجميع لديه موارد وإمكانات وموقع جغرافي واستراتيجي، والنجاح والتميز هو لمن يعظم هذه الموارد ويستغل تلك الإمكانات بالقرارات الصائبة والرؤية الحكيمة وهو ما فعلته الإمارات وقيادتها صاحبة الرؤية.