أقرّت الحكومة المصرية مؤخراً حزمة اجتماعية جديدة تشمل رفع الحد الأدنى للأجور إلى 7 آلاف جنيه مصري شهرياً، في محاولة لتخفيف الضغوط الاقتصادية على المواطنين.
ورغم أن هذه الزيادة تمثل خطوة هامة، كجزء من جهود الحكومة لتخفيف العبء الاقتصادي، ورغم الترحيب الظاهري بهذه الزيادات، إلا أن الكثير من المواطنين والمختصين والمهتمين يرون أنها لا تتجاوز كونها حلاً مؤقتاً لمشكلة أعمق تتعلق بتآكل القدرة الشرائية للمصريين.
أوضح المحلل الاقتصادي وائل نحاس أن الزيادة التي أقرتها الحكومة تشبه “العلاج المسكن” لحالة “مرض شديد” أصابت الاقتصاد المصري.
أشار إلى أن التضخم وارتفاع الأسعار قد أفرغ هذه الزيادات من مضمونها الحقيقي. نحاس، الذي يشغل منصب خبير في أسواق المال،
أكد أن الزيادة لا تتماشى مع التدهور الذي حدث في قيمة الجنيه المصري، حيث انخفضت قيمة العملة الوطنية بحوالي 62% منذ بداية 2024.
وأضاف أن الحد الأدنى للأجور البالغ 7 آلاف جنيه لا يعادل في الحقيقة سوى 138 دولار، مما يعني أن القدرة الشرائية الحالية تراجعت بشكل كبير عما كانت عليه في السنوات السابقة.
أشار محمد مصطفى، موظف حكومي، إلى أن الزيادة الأخيرة لن تغطي احتياجاته الأساسية مع ارتفاع أسعار السلع الغذائية والخدمات الأساسية. “أصبحنا نعيش في دوامة لا تنتهي من زيادة الأسعار”،
قال مصطفى، مشيراً إلى أن كل زيادة في الأجور يقابلها ارتفاع سريع في الأسعار، مما يبقي المواطنين في نفس الحلقة المفرغة. ويرى أن الحل الوحيد هو إعادة استقرار العملة الوطنية وتثبيت الأسعار.
من جهته، أكد أحمد فؤاد، صاحب شركة صغيرة، أن الزيادة في الحد الأدنى للأجور تمثل عبئاً إضافياً على الشركات الصغيرة والمتوسطة. “لسنا قادرين على تحمل هذا النوع من الأعباء”، أوضح فؤاد.
وأضاف: “الشركات مثلنا تكافح بالفعل لتغطية التكاليف المتزايدة، وزيادة الأجور ستؤدي إلى ارتفاع التكاليف بشكل أكبر، مما قد يدفع الكثير منا إلى تسريح بعض العاملين أو حتى إغلاق النشاط التجاري بالكامل.”
من جانبه، شدد الخبير المالي حاتم محمود على أن الحزمة الاجتماعية الجديدة ليست أكثر من خطوة سياسية تهدف لتهدئة الأجواء دون معالجة جذرية للمشكلات الاقتصادية.
وأشار محمود إلى أن زيادة الأجور ستكون بلا فائدة إذا لم يتزامن معها خطة شاملة لخفض معدلات التضخم وضبط أسعار السلع الأساسية. “لا يمكن حل الأزمة بمجرد رفع الأجور. يجب أن نواجه التضخم والسيطرة على سعر الصرف”.
فيما أبدت مروة سعيد، موظفة في القطاع الخاص، استياءها من أن الزيادة في الأجور لا تشمل تحسين ظروف العمل أو الحماية الاجتماعية للعاملين.
وقالت: “نحن نعمل لساعات طويلة وبجهد كبير، والزيادة هذه لن تغطي حتى نصف احتياجاتنا الشهرية. الزيادة ليست إلا خطوة على الورق، ولن تحسن من مستوى معيشتنا بشكل حقيقي.”
أوضح الدكتور إبراهيم ناصف، أستاذ الاقتصاد بإحدي الجامعات، أن الحزمة الاجتماعية الجديدة تضع المصريين في “فخ الضريبة”، حيث أن الزيادة في الأجور ستدفع بهم إلى شرائح ضريبية أعلى، ما يعني أن جزءاً كبيراً من هذه الزيادة سيعود إلى الحكومة كضرائب دخل.
وأضاف: “هذه الزيادات ليست في مصلحة المواطنين، لأنهم سيدفعون ضرائب أعلى، وبالتالي لا فائدة حقيقية من الزيادة.”
في المقابل، أشار المواطن محمود عبد الله إلى أن الوضع الاقتصادي أصبح غير محتمل. “حتى لو زادت الأجور، فإن الأسعار ترتفع بشكل جنوني. لا يمكنني تحمل نفقات تعليم أطفالي، ولا حتى مصاريف العلاج.”
وأضاف عبد الله: “نحن بحاجة إلى حلول جذرية وإصلاح اقتصادي حقيقي، وليس مجرد زيادات طفيفة لن تغير شيئاً في حياتنا.”
أكدت الدكتورة رانيا عبد الحميد، خبيرة في مجال الاقتصاد، أن زيادة الأجور يجب أن تترافق مع خطة لتحفيز الإنتاج المحلي وتقليل الاعتماد على الواردات.
وقالت: “مشكلة مصر الرئيسية هي أنها تعتمد بشكل كبير على الواردات، ومع تراجع قيمة الجنيه، أصبحت هذه الواردات مكلفة جداً. يجب أن نبدأ في التفكير في كيفية دعم الإنتاج المحلي وتقليل التضخم.”
وأشار الخبير المالي علي حسن إلى أن التضخم في مصر بات مشكلة هيكلية تتطلب تدخلات عميقة. “الزيادة في الأجور جيدة، ولكن إذا استمر التضخم في الارتفاع، فلن تكون لها أي قيمة. يجب على الحكومة أن تركز على سياسات مكافحة التضخم وتحسين البيئة الاقتصادية العامة.” وأضاف: “الحل ليس في زيادة الأجور فقط، بل في تحسين مناخ الاستثمار وزيادة الإنتاجية.”
وفي سياق متصل، أكدت نورا سامي، معلمة في مدرسة حكومية، أن الزيادة في الأجور لا تكفي لتغطية احتياجات عائلتها، خاصة مع ارتفاع تكاليف التعليم والمواد الغذائية.
وقالت: “نحن نواجه صعوبة كبيرة في توفير احتياجاتنا اليومية. الزيادة في الأجور لا تكفي، والمواطن البسيط يحتاج إلى دعم أكبر من الدولة.”
من جهة أخرى، أشار محمد سمير، عامل في مصنع نسيج، إلى أن الزيادة في الأجور قد تكون جيدة للعاملين في القطاع العام، ولكن القطاع الخاص لا يلتزم دائماً بهذه القرارات.
“أعمل في مصنع منذ سنوات، ولم أر أي زيادة في راتبي منذ فترة طويلة. نحن نعمل بجد، ولكن أصحاب المصانع لا يهتمون بتحسين أوضاعنا.” وأضاف: “نحن بحاجة إلى رقابة صارمة على القطاع الخاص لضمان أن الزيادات تصل إلينا.”
واختتم الخبير الاقتصادي أحمد رفاعي بأن القرارات الأخيرة تعكس أزمة هيكلية في الاقتصاد المصري، مشيراً إلى أن الحلول الحقيقية تتطلب إعادة هيكلة الاقتصاد بشكل شامل، وليس الاعتماد على المسكنات المؤقتة مثل زيادات الأجور.
وقال: “إذا استمرت الحكومة في اتخاذ قرارات سطحية دون مواجهة الأسباب الجذرية للأزمة، فإن الوضع الاقتصادي سيستمر في التدهور.”
بينما تسعى الحكومة لتحسين الظروف المعيشية عبر زيادة الأجور، يرى العديد من المصريين أن الحلول المقدمة غير كافية لمواجهة التحديات الاقتصادية الحقيقية وتعكس إحباطاً كبيراً من قبل المصريين حول فعالية الحزمة الاجتماعية الجديدة.
المواطنون يرون أن الزيادة في الأجور ليست كافية لتعويض الارتفاع المستمر في الأسعار وتدهور القدرة الشرائية وتآكل الجنيه،
يظل المواطن البسيط في حالة من الضيق المعيشي، مطالباً بإصلاحات اقتصادية جذرية وليست مسكنات مؤقتة كما يثير المختصون تساؤلات حول جدوى هذه الزيادات في ظل تآكل الجنيه المصري وارتفاع معدلات التضخم.
نسخ الرابط تم نسخ الرابط