في خضمّ العاصفة التي تضرب فلسطين، وفي قلبها غزة الصامدة، تخرج القمة العربية الطارئة ببيان ختامي يحمل في طياته الكثير من العبارات المنمقة، لكنه يبقى -حتى اللحظة- مجرد كلمات إن لم يُترجم إلى أفعال ملموسة.
القضية الفلسطينية اليوم ليست ملفًا دبلوماسيًا عابرًا، بل معركة وجودية تتطلب موقفًا عمليًا يتجاوز حدود الشجب والاستنكار إلى قرارات تُغير الواقع، لأن الحقوق لا تُمنح في المؤتمرات، بل تُنتزع بالتضحيات والضغط الفعلي، “وما نيل المطالب بالتمني ولكن تؤخذ الدنيا غلابا”.
غزة، تلك البقعة التي تُسقى بدماء أبنائها يوميًا، لا تحتاج إلى خطابات رنانة بقدر ما تحتاج إلى خطوات حقيقية تنهي الحصار والعدوان.
البيان الختامي للقمة أكد -كما في كل مرة- على دعم حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة، ورفض التهجير القسري، وإدانة سياسات التجويع والحصار، والتشديد على ضرورة الالتزام بالشرعية الدولية.
كلها مواقف تُحسب للدول التي أقرتها، لكن السؤال الذي يفرض نفسه بإلحاح: كيف ستتحول هذه العبارات إلى واقع ملموس؟ الشعب الفلسطيني لا ينتظر بيانات تُتلى أمام الكاميرات، بل ينتظر تحركات توقف نزيف الدم، تكسر الحصار، وتدعم صموده سياسيًا وعمليًا.
غزة اليوم ليست مجرد مدينة تحت الحصار، بل هي خط المواجهة الأول في معركة الأمة كلها، حيث يُقاوم أهلها بأرواحهم العارية آلة حربٍ لا تعرف الرحمة، ورغم ذلك يرفضون التهجير والاستسلام.
ألا يستوجب هذا الصمود موقفًا عربيًا يُنهي حالة العجز والتردد؟ ألا يستحق الشعب الفلسطيني أن يُعامَل كقضية مصير، لا مجرد ورقة تفاوضية تُستخدم عند الحاجة؟
إن دعم أي خطة لإعادة إعمار غزة، كما ورد في البيان، لا يجب أن يكون مجرد غطاء لاحتواء الغضب الشعبي، بل يجب أن يكون جزءًا من استراتيجية أشمل لكسر الحصار وفرض واقع جديد على الاحتلال.
الإعمار وحده لن يكفي إن لم يُرفَع الحصار، ولم تُفتح المعابر، ولم تُفرض آليات تحمي الفلسطينيين من عدوان متكرر. أما الحديث عن حل الدولتين، فهو ليس منحة تُنتظر من المجتمع الدولي، بل معركة سياسية تُفرض بالإرادة والعمل الجاد، لا بالتمنيات والانتظار.
يا قادة الأمة، ويا شعوبها الحرة، إن نصرة فلسطين ليست خيارًا دبلوماسيًا، بل واجب تاريخي وأخلاقي لا يقبل التأجيل.
غزة اليوم تدفع ثمن تضحياتها، لكنها أيضًا تدفع ثمن عجز الأمة عن اتخاذ خطوات حاسمة. البيانات وحدها لم تحمِ طفلًا من القصف، ولم تُطعِم جائعًا في المخيمات، ولم تمنع الاحتلال من مواصلة جرائمه.
حان الوقت للانتقال من الأقوال إلى الأفعال، فالتاريخ لا يرحم الشعوب التي تكتفي بالمشاهدة، ولا القادة الذين يكتفون بالتصريحات. غزة لا تحتاج عطفًا، بل موقفًا يُعيد التوازن إلى المعادلة. فهل آن الأوان لذلك؟
نسخ الرابط تم نسخ الرابط