اختفت مخطوطات العلامة رفاعة الطهطاوي من مكتبة بيت ثقافة طهطا التابعة لفرع ثقافة سوهاج في ظروف غامضة، مما أثار العديد من التساؤلات حول الدور الذي لعبته الهيئة العامة لقصور الثقافة في هذه القضية.
لم تتخذ الهيئة أية إجراءات قانونية ضد المجرمين الذين يعتبرون معروفين لديها، ولم تطالبهم حتى باسترداد المخطوطات التي تعد جزءاً مهماً من التراث الثقافي المصري وقد حصل موقع “أخبار الغد” علي مجموعة مستندات تفيد تواطؤ قيادات الهيئة العامة لقصور الثقافة في التستر علي السارقين.
أثار اختفاء المخطوطات، التي كانت تضم 118 مخطوطاً من بينها أعمال رفاعة الطهطاوي، غضباً واسعاً بين الأوساط الثقافية، حيث تم الإعلان عن الواقعة في محضر تسليم خاص بالمخطوطات بتاريخ 28 يناير 2018،
والذي ضم لجنة برئاسة عبد الحافظ بخيت مدير عام النشر الثقافي في الهيئة العامة لقصور الثقافة في ذلك الوقت، بالإضافة إلى أحمد صابر إيمام، مدير قصر ثقافة طهطا.
أسفرت مراجعة المخطوطات عن تسليمها للهيئة العامة لقصور الثقافة بعد فحصها وتوثيقها. وقد جرى تسليمها من قبل اللجنة المتخصصة التي تضم 11 موظفاً.
اتسمت الفترة التي تلت تسليم المخطوطات بالتعتيم والتجاهل من الهيئة العامة لقصور الثقافة، حيث لم تتخذ أي إجراءات فعالة ضد الأشخاص المتورطين في السرقة.
على الرغم من أن الهيئة كانت على دراية كاملة بالمجرمين الذين يشتبه في تورطهم، فإنها لم تبادر إلى تقديمهم للمسائلة أو اتخاذ أية إجراءات قانونية ضدهم.
وفي ظل هذا الغموض، تم تداول شائعات تشير إلى أن أحد المستفيدين الرئيسيين من عملية السرقة هو أحد الوزراء السابقين، بالإضافة إلى أحد رؤساء الهيئة العامة لقصور الثقافة السابقين، مما يزيد من تعقيد القضية.
تعود بداية القصة إلى محضر تسليم المخطوطات التي تم إنجازها في 15 يناير 2007، حيث تم تسليم 290 مخطوطاً من دار الكتب بطنطا إلى مركز متحف المخطوطات بمكتبة الإسكندرية وقد ظهر هذا المحضر في محاولة إخفاء مخطوطات رفاعة الطهطاوي الخاصة بمكتبة بيت ثقافة طهطا في مخطوطات دار الكتب بطنطا حتي لا تظهر عملية السرقة.
في تلك الفترة، كانت المخطوطات موضوعاً في غاية الأهمية وكان ينبغي أن تحظى برعاية كاملة من جميع الجهات المعنية.
وفي 19 يناير 2006، ورد خطاب رسمي من بيت ثقافة طهطا موجه إلى مدير عام فرع ثقافة سوهاج، يفيد بأن المخطوطات الموجودة في مكتبة بيت ثقافة طهطا بحاجة إلى ترميم وتجليد، ويطلب من الجهات المعنية اتخاذ الإجراءات اللازمة لحفظ هذا التراث الثقافي.
وجاء هذا الخطاب في وقت كانت فيه المخطوطات تتعرض للتدهور نتيجة الإهمال، مما جعل من الضروري اتخاذ خطوة عاجلة لترميمها وصيانتها.
لكن بدلاً من أن يتم اتخاذ الإجراءات المطلوبة للحفاظ على هذه المخطوطات الثمينة، دخلت الهيئة العامة لقصور الثقافة في حالة من التسويف والتأجيل، ما أدى في نهاية المطاف إلى سرقة المخطوطات أو اختفائها في ظروف غير واضحة.
تسبب هذا الإهمال في غضب داخل المجتمع الثقافي، حيث طالب العديد من المثقفين والمؤرخين والمجتمعات المدنية بالتحقيق في القضية ومحاسبة المسؤولين عن اختفاء المخطوطات.
بالرغم من الضغوط التي تمارس على الهيئة العامة لقصور الثقافة، إلا أن الهيئة لم تتخذ أية خطوات فعالة، مما يثير تساؤلات حول مدى جدية الهيئة في الحفاظ على التراث الثقافي الوطني.
بالإضافة إلى ذلك، يكشف التحقيقات المتواصلة عن أن جزءاً من المسؤولية يقع على عاتق إدارة الهيئة التي يعتقد الكثيرون أنها كانت تعلم بتفاصيل الواقعة، ولكنها اختارت أن تتجاهلها.
وتوضح الشائعات المنتشرة أن الأشخاص الذين استفادوا من السرقة، من بينهم بعض الأفراد في الهيئة، قد دفعوا الأوضاع إلى هذه النهاية المأساوية.
إن ما يحدث في قصر ثقافة طهطا لم يكن سوى حلقة واحدة في سلسلة طويلة من الإهمال الذي طال العديد من المعالم الثقافية في مصر.
ولم تكن هذه المخطوطات الوحيدة التي اختفت في ظل هذا الإهمال، بل تكرر الأمر مع العديد من الوثائق التراثية الأخرى، التي كان من المفترض أن تشكل جزءاً مهماً من الهوية الثقافية المصرية.
بينما يتواصل تجاهل المسؤولين في الهيئة، لا يزال المجتمع الثقافي يطالب بالتحقيق الجاد في اختفاء هذه المخطوطات، والعمل على استردادها بأي وسيلة.
يتساءل الكثيرون عما إذا كانت الهيئة ستظل تتجاهل مطالبهم أم ستستجيب لهم وتعيد الحقوق إلى أصحابها، أم أن هذه المخطوطات ستظل ضائعة إلى الأبد بسبب الفساد والإهمال المستشري.
لقد أصبحت هذه القضية بمثابة علامة فارقة في تاريخ الثقافة المصرية، حيث أظهرت فشل المؤسسات المسؤولة في حماية التراث الوطني من السرقة والتدهور.
ولكن يبقى الأمل في أن تسلط الأضواء على هذه القضية، وأن تنكشف الحقائق الكاملة ويحاسب المجرمون المتورطون في اختفاء مخطوطات رفاعة الطهطاوي، التي تظل جزءاً لا يتجزأ من تاريخ مصر الثقافي العريق.
نسخ الرابط تم نسخ الرابط