يوسف عبداللطيف يكتب: كيف نواجه الطغيان العالمي والقمع العابر للحدود؟

نواجه اليوم شكلاً جديداً من القمع الذي تجاوز الحدود الجغرافية ليصبح قمعاً عابراً للقارات، قمعاً يترصد الأفكار، والأقلام، والأصوات الحرة التي تجرؤ على أن تخرج عن المسار المرسوم لها.

لا يقتصر القمع الآن على أنظمة مستبدة داخل حدود بلدانها؛ بل تجاوز ذلك ليصبح مسعى منسقاً عالميًا يستهدف كل من يهدد هذه الأنظمة بالحقائق، أو النقد، أو حتى بالتحليلات العميقة.

إنه القمع الذي يسعى إلى خنق حرية التعبير في كل مكان عبر منظومة متكاملة من القوانين والسياسات التي تُستخدم كسلاح للتخويف، والمحاكمات الصورية التي تسعى لإسكات الأصوات الشجاعة.

كيف يمكن لنا أن نواجه هذا الطوفان الجارف من السياسات القمعية التي تعبر حدود الدول؟ وكيف لنا أن نقف أمام هذه المنظومة التي تجنح نحو إسكات كل صوت حر؟

إن الطريق إلى المواجهة لا يكون فقط عبر استدعاء القوانين وحقوق الإنسان المهدرة، بل يتطلب إستراتيجية سياسية وحقوقية عميقة، جريئة، وقادرة على تجاوز الأساليب التقليدية للمقاومة.

يجب أن نواجه هذا القمع العابر للحدود من خلال رفض الانصياع لمنظومات التخويف الممنهجة. لا يكفي أن نتحدث عن حقوق الإنسان من داخل قاعات المؤتمرات الدولية أو على منصات البيانات الصحفية.

بل يجب أن نتحرك بشكل ملموس وعاجل لإعادة تشكيل القوانين الدولية التي تسمح بهذا الشكل من القمع، سواء من خلال اتفاقيات جديدة أو تعديل الاتفاقيات الحالية التي تُستخدم من قبل بعض الأنظمة لتبرير إجراءاتها القمعية ضد المعارضين في الخارج.

علينا أن نطرح السؤال الجريء: لماذا يُسمح لبعض الدول بمطاردة معارضيها خارج حدودها الشرعية؟ ولماذا تتجاهل المؤسسات الدولية هذا الانتهاك الصارخ لحقوق الإنسان؟

نواجه هذا القمع أيضاً من خلال الاستفادة من القوة الجماعية التي توفرها وسائل الإعلام الجديدة. ولا يمكن أن نستمر في الاعتماد على المؤسسات الإعلامية التقليدية التي أصبحت، في كثير من الأحيان،

أداة في أيدي الأنظمة القمعية. يجب أن نخلق شبكات إعلامية حرة، عابرة للحدود، تستخدم التقنيات الحديثة لتوصيل الحقيقة دون أي تضليل. يجب أن تتحول الأصوات المعارضة إلى قوة إعلامية عالمية، لا تعترف بالحدود الجغرافية ولا تخشى الانتقام.

ندرك أن المواجهة القانونية ضرورية، ولكن يجب أن نفهم أن القانون وحده لن يكفي. هناك حاجة إلى تضامن دولي حقيقي بين المنظمات الحقوقية، وليس مجرد بيانات إدانة يتم تداولها بين النخب الحقوقية.

على المنظمات الحقوقية أن تتحرك بجرأة أكبر في محافل الدول والمنظمات الدولية، وأن تضغط من أجل إحداث تغيير جذري في طريقة تعامل المجتمع الدولي مع القمع العابر للحدود.

نحتاج إلى مواجهة سياسية على مستوى الحكومات. يجب أن نضغط على الحكومات الديمقراطية لتتخذ مواقف أكثر صرامة تجاه الدول التي تمارس هذا النوع من القمع.

لا يكفي أن تصدر بيانات إدانة سطحية. بل يجب أن يتم فرض عقوبات سياسية واقتصادية على هذه الدول، ويجب أن تكون هذه العقوبات ملزمة وقاسية بما يكفي لتشكل رادعاً حقيقياً.

علينا أن نواجه هذا القمع السياسي من خلال إعادة التفكير في مفهوم السيادة. لا يمكن أن نترك الدول تبرر ممارساتها القمعية باسم السيادة الوطنية.

يجب أن يكون هناك توافق دولي على أن سيادة الدول لا تمنحها الحق في قمع مواطنيها، ولا في ملاحقة معارضيها في الخارج. يجب أن تُفرض آليات دولية صارمة تراقب هذا النوع من الانتهاكات وتتصدى لها بحزم.

نواجه هذا القمع من خلال الانفتاح على قوة التكنولوجيا. لا يمكن تجاهل أن التكنولوجيا الحديثة أصبحت أداة في يد الأنظمة القمعية، ولكنها في نفس الوقت تُشكل وسيلة قوية لمواجهة هذا القمع.

يجب أن نستخدم التقنية لمراقبة الانتهاكات، وتوثيقها، ونشرها على نطاق واسع. التكنولوجيا هي السلاح الذي يمكن أن يكشف هذه الجرائم ويوصلها إلى العالم بأسره.

نحتاج إلى مواجهة هذا القمع من خلال إعادة بناء جسور الثقة بين الشعوب. الأنظمة القمعية تعتمد على تفتيت المجتمعات، وتخويف الأفراد، وزرع الخوف في نفوس المعارضين.

يجب أن نُعيد بناء الثقة بيننا وبين الشعوب الأخرى التي تواجه نفس هذا النوع من القمع. علينا أن نفهم أن نضالنا واحد، وأن ما يحدث في دولة ما يؤثر على باقي الدول.

إن مواجهة القمع العابر للحدود تتطلب شجاعة فكرية، وجرأة سياسية، واستعدادًا للتضحية. هذه المعركة ليست سهلة، ولكنها معركة وجودية لكل من يؤمن بالحرية وحقوق الإنسان.

علينا أن نعيد النظر في كيفية تعاملنا مع القوانين، والسياسات، والتكنولوجيا، وحتى في كيفية فهمنا لحقوق الإنسان في ظل عالم يشهد تراجعاً مخيفاً للحريات الأساسية.

نسخ الرابط تم نسخ الرابط

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق وفاة مفاجئة للاعب الإسكواش محمد السباعي تفتح ملف ضحايا الملاعب في مصر
التالى الهيئة العامة لقصور الثقافة تتجاهل حقوق العاملين وتماطل في حل مشكلات صندوق التكافل