انتشرت خلال الأيام الماضية معلومات مثيرة للجدل حول إسناد وزارة الكهرباء أعمال تغيير وتركيب العدادات مسبقة الدفع “أبو كارت” لشركات خاصة.
هذه الأخبار التي تم تداولها على نطاق واسع أثارت العديد من التساؤلات والشكوك حول المستفيدين من هذه العملية، وكشفت عن وجود أعمال نصب واحتيال قد يتعرض لها العديد من المواطنين والمقاولين البسطاء.
استغل عدد من الأشخاص معدومي الضمير هذه الأخبار للقيام بعمليات احتيال واسعة النطاق. فبعض الأفراد ممن ادعوا أنهم قيادات في شركة خاصة، تواصلوا مع عدد من المقاولين والعمالة البسيطة في مختلف المحافظات تحت ذريعة إسناد وزارة الكهرباء أعمال تركيب وتغيير العدادات مسبقة الدفع لهم.
بل، ذهب البعض إلى أبعد من ذلك، حيث تم إيهام هؤلاء المقاولين والعمال بضرورة تحرير “فيش وتشبيه” لهم للعمل مع تلك الشركة الخاصة. وما يزيد الأمر تعقيدًا أن هذه الشركة لم يكن لها أي سابقة أعمال في هذا المجال، ولم تكن معروفة في السوق.
لم يقتصر الأمر على ذلك، بل قامت هذه الشركة بتوزيع قطاعات شركات التوزيع على مقاولين آخرين تحت مزاعم أنها تمتلك امتيازًا خاصًا من وزارة الكهرباء والطاقة المتجددة.
وفي الوقت الذي كانت تتداول فيه هذه الأكاذيب، كانت الوزارة وقطاع الكهرباء في حالة غياب تام عن توضيح الحقائق للمواطنين.
تظهر هذه الوقائع خطورة كبيرة على قطاع الكهرباء واستقراره، خصوصًا فيما يتعلق بحوكمة منظومة العدادات وتركيبها. فمن المعروف أن هناك العديد من الأسباب التي تعوق شركات التوزيع من الإسراع في تركيب العدادات مسبقة الدفع.
من أبرز هذه الأسباب نقص العمالة الفنية المدربة، حيث لم تتمكن الشركات من مواكبة حجم الطلب على تركيب العدادات في ظل توجهات القيادة السياسية بتحديث وتطوير شبكة الكهرباء، والتي تشمل إحلال واستبدال 40 مليون عداد في السنوات المقبلة.
ورغم هذه التحديات، لم تسع الشركة القابضة لكهرباء مصر ولا الشركات التابعة لها لتطوير حلول جذرية لهذه المشكلة. فقد بقيت الشركات في دائرة التأجيل والعجز عن مواجهة أوجه القصور الحقيقية، مما دفع الوزارة إلى التفكير في طرح فرص للاستعانة بشركات خاصة.
وهكذا، تقدمت 8 شركات خاصة لتنفيذ هذه الأعمال، لكن المفاجأة كانت أن بعض هذه الشركات كانت تفتقر إلى أي سوابق أعمال في هذا المجال، بل كانت مجرد “سبوبة” لتحقيق أرباح غير مشروعة.
وفي الوقت نفسه، سارعت الشركة القابضة لكهرباء مصر إلى التعاقد مع بعض الشركات الخاصة المعروفة مثل “شعاع” و”السويدي” و”جلوبال”، رغم عدم وجود ضمانات حقيقية حول قدرتها على تنفيذ الأعمال المطلوبة بكفاءة وشفافية.
ومع استمرار نقص الإمكانيات وضعف خبرات الفنيين في شركات التوزيع التسع، أصبحت العملية أكثر تعقيدًا وصعوبة. ولعل الأبرز في هذا السياق هو تزايد الشكاوى من نقص العدادات، خاصة أن معظم الشركات الموردة للعدادات تعتمد على الاستيراد من الصين، مما يؤدي إلى تأخير في توفير العدادات المطلوبة.
وقد أصبح من الضروري أن تتخذ وزارة الكهرباء والشركة القابضة لكهرباء مصر خطوات فعالة لمواجهة هذه الممارسات غير المشروعة، وضمان عدم تعرض المواطنين لأعمال نصب واحتيال.
فمن الضروري إصدار بيانات توعوية توضح الحقيقة للمواطنين وتحذرهم من التعامل مع الشركات الخاصة التي لا تمتلك أية تراخيص أو سوابق أعمال في هذا المجال.
فيما يتعلق بحلول المشكلة الأساسية، من المهم أن تبذل وزارة الكهرباء جهودًا أكبر لإيجاد حلول جذرية لمواجهة نقص العمالة الفنية المتخصصة في تركيب العدادات.
يجب العمل على فتح باب التعيينات وفقًا للاحتياجات الفعلية فقط، كما يمكن أيضًا التفكير في إبرام عقود مؤقتة لعمالة فنية، شريطة أن تكون هذه العقود وفقًا للمعايير والضوابط المحددة.
إذا كانت الوزارة جادة في إصلاح الوضع، فإن عليها أن تعكف على تطوير برامج تدريبية تهدف إلى تأهيل العمالة المحلية لتكون قادرة على التعامل مع التحديات التقنية الحالية.
بالإضافة إلى ذلك، فإن على الوزارة أن تضمن وجود رقابة دقيقة على الشركات الخاصة التي يتم التعاقد معها، والتأكد من أنها قادرة على تنفيذ المهام الموكلة إليها بالشكل الذي يضمن حقوق المواطنين ويحميهم من عمليات الاحتيال.
وتكمن الأزمة في نقص الشفافية وضعف الرقابة على شركات التوزيع والشركات الخاصة المتعاقدة مع وزارة الكهرباء. في وقت تعهدت فيه القيادة السياسية بتحقيق أهداف طموحة لتحديث قطاع الكهرباء في مصر، ينبغي على الوزارة والشركات التابعة لها اتخاذ إجراءات حاسمة لضمان تنفيذ هذه الأهداف بأعلى درجات المهنية والشفافية، وحماية المواطنين من أي استغلال أو تلاعب.
نسخ الرابط تم نسخ الرابط