لا يمكن لأحد أن يغفل حجم الفساد والتواطؤ الذي يغطيه النظام المصري في جرائم الإخفاء القسري، والتي أصبحت إحدى سمات حكومته الفاسدة التي تمعن في انتهاك حقوق الشعب المصري.
بينما تنجح ثورات الشعوب في كشف الظلم، وتمد الأمل في قلوب الأسر المكلومة على مصير أبنائها، لا يزال الأمل مفقوداً في مصر، حيث يتواصل اختفاء المئات من المواطنين الذين يسقطون في غياهب المعتقلات دون أي مسوّغ قانوني أو أخلاقي.
بينما تُمنح الحرية في العديد من الدول، يستمر النظام المصري في إذلال مواطنيه، حيث يختفي المئات منهم دون أي محاسبة أو تحقيق.
قُدّم مؤخراً منشور للناشط الحقوقي هيثم غنيم، الذي دعا كل من لديه مختفٍ قسرياً إلى مشاركة صورته وأسمائه وتفاصيل اختفائه.
هذا المنشور الذي لاقى تفاعلاً غير مسبوق من الأسر المصرية المكلومة، كشف عن حجم المأساة التي يعيشها المواطن المصري الذي يختفي قسراً على يد أجهزة أمنية تمثل نظاماً فاسداً لا يهتم سوى بالحفاظ على سلطته، ولو على حساب أرواح الأبرياء.
من أبرز الحالات التي ظهرت في هذا السياق، جاءت حالة مصطفى النجار، الطبيب والبرلماني السابق الذي اختفى في 28 سبتمبر 2018 في مدينة أسوان.
حالة النجار ليست استثناء، بل هي واحدة من مئات الحالات التي يواصل النظام المصري إخفاء أصحابها، فهناك عبد الله صادق من محافظة المنيا الذي اختفى في 20 نوفمبر 2017، ومحمود راتب من مصر الجديدة الذي اختفى في 13 أكتوبر 2019 في ظروف غامضة خلال عودته من صالة رياضية.
كما انضم إلى هذه القائمة المشؤومة محمود عبد اللطيف، الطالب بكلية دار العلوم في جامعة القاهرة، الذي اختفى في 11 أغسطس 2018، وعمر أمين من مدينة السادس من أكتوبر الذي اختفى في 7 يونيو 2019، وإسلام حمزاوي من مركز العياط بمحافظة الجيزة الذي اختفى في 27 يوليو 2019.
وهناك أيضاً أحمد عامر الذي تم اعتقاله في 29 يوليو 2020 داخل نادي السكة الحديد بحي مدينة نصر، إضافة إلى العديد من الحالات الأخرى التي تشمل عمرو رمضان من محافظة الفيوم، بلال بكري من القاهرة، وأبو السنهوتي من أسوان.
ولا يمكن إغفال قضية عمر حماد، الطالب في كلية الهندسة بجامعة الأزهر، الذي اختفى منذ 14 أغسطس 2013، وكذلك عبد الرحمن بطيشة من مدينة إيتاي البارود في محافظة البحيرة الذي اختفى في 30 ديسمبر 2017.
هذه أمثلة لا تُعد ولا تُحصى عن مختفين آخرين، منهم أحمد جعفر من التجمع الأول بالقاهرة، كريم السيد من العريش بشمال سيناء، ومحمود عبد الرؤوف من محافظة بني سويف، وغيرهم الكثير ممن انقطعت أخبارهم تماماً.
وفى الوقت الذي كان فيه العالم يتابع محاولات الثورة السورية لإعادة الأمل إلى الأسر التي اختفى أبناؤها في سجون بشار الأسد، لا يزال النظام المصري يعيد إنتاج ممارسات مماثلة، بل وأكثر قسوة، إذ لا يتوقف عن إخفاء مئات المواطنين رغم كل المناشدات المحلية والدولية للكشف عن مصيرهم.
في ظل هذه الانتهاكات المروعة، وثقت مفوضية الحقوق والحريات 4760 حالة إخفاء قسري منذ عام 2011 حتى 2024. هذه الحصيلة المؤلمة توضح أن النظام المصري ليس فقط غارقاً في هذه الجرائم، بل يقوم بترسيخها ويستمر في ممارستها دون أي رادع.
الخطير في الأمر أن غالبية المختفين القسريين في مصر تتراوح أعمارهم بين 22 و35 عاماً، مما يعكس سياسة ممنهجة تستهدف الشباب المصري الذي يُفترض أن يكون محط الأمل لمستقبل البلاد.
ولكن على العكس من ذلك، تعمل الأجهزة الأمنية، تحت إشراف القيادة السياسية، على تدمير هذا الأمل ومصادرة حقوق الشباب في الحياة والمستقبل.
ليس من قبيل الصدفة أن نجد الحكومة المصرية تلتزم الصمت إزاء هذه الجرائم، بل إنها في كثير من الأحيان تُصر على التهرب من المحاسبة، بل وتستمر في تكميم الأفواه باستخدام أساليب الترهيب والقمع. ولا تزال أجهزة الأمن تقوم باختطاف المواطنين وتعذيبهم وإخفائهم دون أي محاكمة أو حق في الدفاع عن أنفسهم، في خرق سافر لكل القوانين الوطنية والدولية التي تدعو إلى احترام حقوق الإنسان.
وتستمر حملة “أوقفوا الإخفاء القسري” في دعواتها للكشف عن مصير هؤلاء المختفين، مطالبين بإجلاء مصيرهم فوراً وفتح تحقيقات حقيقية في حالات الاختفاء القسري.
لقد حان الوقت لأن يتحمل النظام المصري مسؤولياته ويتوقف عن هذه الانتهاكات المستمرة. الحكومة المصرية لا تكتفي بتجاهل نداءات الأهالي، بل تواصل تجاهل مسؤوليتها في حماية حقوق المواطنين، مما يثبت أن هناك تواطؤاً غير قابل للتبرير بين السلطة والأجهزة الأمنية.
وإلى جانب هذا التعتيم الممنهج، يتم السكوت على جميع الجرائم التي يرتكبها النظام بحق الأبرياء الذين ليس لهم ذنب سوى أنهم يعارضون الفساد والاستبداد.
إن استمرار سياسة الإخفاء القسري يمثل جريمة بحق الإنسانية، ويجب على المجتمع الدولي أن يقف أمام هذا الظلم ويضغط على النظام المصري للكشف عن مصير المختفين والمحاسبة العادلة لأولئك المسؤولين عن هذه الجرائم.
إن النظام المصري ليس فقط فاسداً في تعاملاته الاقتصادية والسياسية، بل هو نظام يتعمد انتهاك الحقوق الإنسانية بلا خجل أو تردد.
فبدلاً من أن يتحمل المسؤولون في الحكومة المصرية مسؤولياتهم، يواصلون إخفاء الحقائق واختطاف الأبرياء، وتدمير كل أمل في تغيير حقيقي يمكن أن يأتي من هذه البلاد التي تئن تحت وطأة الاستبداد.
نسخ الرابط تم نسخ الرابط