في مشهد يعبّر عن توتر بالغ واستفزازي، طالب الإعلامي المصري الموالي للنظام، بسرعة تنفيذ أحكام الإعدام بحق العشرات من المعارضين السياسيين وأعضاء جماعة الإخوان المسلمين، الذين صدرت بحقهم أحكام نهائية بالإعدام.
هذا التصريح أتى خلال برنامج “على مسؤوليتي” الذي يذاع على قناة “صدى البلد”، في خطاب يفتقر إلى أي حد من الرحمة أو الالتزام بمبادئ حقوق الإنسان، وهو ما يفضح مجددًا التوجه القمعي للنظام الحالي في مصر.
وقال الإعلامي في برنامج الذي لاقى اهتماماً واسعاً: “هناك تنظيم يعمل منذ عام 2011 وحتى اليوم، ولم يتوقف، وأنا هنا على الهواء أطالب بتنفيذ أحكام الإعدام الباتة التي صدرت بحق هؤلاء الأشخاص.
يجب أن ننفذ هذه الأحكام، سواء كان حكمًا واحدًا أو اثنين أو عشرة، لأن هذا هو الطريق الوحيد لكي يعرف الجميع أننا في طريقنا للحسم ولن نسمح بعودة هؤلاء مرة أخرى”.
كان هذا التصريح بمثابة دعوة صريحة لاستمرار القمع الدموي ضد المعارضة، مع تجاهل تام للمواثيق الدولية التي تنادي بوقف تنفيذ أحكام الإعدام.
الإعلامي المذكور لم يكتفِ بهذا، بل أضاف قائلاً: “يجب أن نفعل ذلك ليعلم الجميع أننا ماضون في تنفيذ هذا القرار. هؤلاء لا يمكن أن يكونوا جزءًا منا مرة أخرى، إما نحن أو هم، ولن نعود إلى الوراء”.
هذه التصريحات، التي تزداد تطرفًا يومًا بعد يوم، تؤكد بشكل قاطع أن النظام المصري مصمم على اتخاذ خطوات قمعية إضافية ضد من يعارضونه، مستعرضًا سلسلة من الأحكام التي تواصل إزهاق أرواح الأبرياء.
وفي الوقت الذي يزداد فيه الحديث عن هذه القضايا القمعية في وسائل الإعلام المصرية، كان هناك ارتفاع غير مسبوق في النداءات المحلية والدولية من أجل وقف تنفيذ أحكام الإعدام في مصر.
ففي العاشر من أكتوبر الماضي، وهو اليوم العالمي لمناهضة عقوبة الإعدام، دعت العديد من المنظمات الحقوقية المحلية والدولية إلى إلغاء هذه العقوبة في مصر، مؤكدة على الانتهاكات المتكررة لحقوق الإنسان التي يثبتها النظام القضائي الحالي في البلاد.
وتجسد حملة “أوقفوا عقوبة الإعدام في مصر” التابعة للمفوضية المصرية للحقوق والحريات إحدى أبرز المواقف المناهضة لتنفيذ هذه العقوبات.
فقد أطلقت الحملة شعار “عدالة بلا طوارئ” في اليوم العالمي لمناهضة عقوبة الإعدام، مطالبة بضرورة مراجعة الوضع القانوني في مصر وإلغاء هذا العقاب القاسي.
وذكرت الحملة أن قانون الطوارئ في مصر قد استخدم لفترات طويلة كأداة لتبرير إجراءات غير دستورية تقيد الحقوق الأساسية للمواطنين، بما في ذلك الحق في الحياة.
وأضافت الحملة أن هناك العديد من الثغرات القانونية والدستورية في النظام العام للمحاكمات الجنائية في مصر، وهو ما يسهم في تقليص الضمانات الخاصة بإجراء محاكمات عادلة ونزيهة.
تلك الثغرات التي أظهرت بوضوح تواطؤ القضاء مع السلطات التنفيذية، مما جعل المحاكمات السياسية تفتقر إلى أبسط معايير العدالة، بل أصبحت أداة بيد السلطة لتصفية الحسابات السياسية.
ورغم هذه النداءات المتزايدة من المجتمع المدني والدولي لإيقاف أحكام الإعدام، إلا أن النظام المصري يواصل تنفيذ هذه الأحكام بشكل يثير قلقًا دوليًا شديدًا.
يُذكر أن مصر شهدت في السنوات الأخيرة تنفيذ العديد من أحكام الإعدام الجماعية بحق مئات من المعارضين السياسيين، في الوقت الذي ينتهك فيه النظام الحريات الأساسية ويواصل قمع جميع الأصوات المعارضة.
في سياق موازٍ، يواصل الإعلام المصري الموالي للنظام هجماته المتواصلة على المعارضين، سواء في الداخل أو في الخارج. ومن بين هذه الهجمات المستمرة هو الهجوم على الثورة السورية والمعارضة السورية.
منذ الإطاحة بنظام الرئيس السوري بشار الأسد، واندلاع الأزمة السورية، سعى الإعلام المصري إلى تصوير ما يحدث في سوريا على أنه “خراب ودمار”، متجاهلاً في الوقت نفسه حقيقة معاناة الشعب السوري.
هؤلاء الإعلاميون، الذين يتخذون موقفًا منحازًا للنظام السوري، يتهمون المعارضة بأنها السبب وراء تدمير سوريا، رغم أن الجميع يعلم أن النظام السوري هو من قام بتدمير البلاد عبر قمعه الوحشي للمحتجين السلميين.
إن هذا التحامل الإعلامي المصري على المعارضة السورية يضاف إلى سجل طويل من انتهاكات حرية الرأي والتعبير في مصر، حيث يتم استخدام الإعلام كأداة للتضليل وتوجيه الرأي العام لصالح النظام، بينما يتم قمع الأصوات الحرة في الداخل.
هذه السياسات تبرز كيف أن الحكومة المصرية تحاول أن تبني صورة وطنية قائمة على القمع والتعذيب والإقصاء، بدلاً من البناء الديمقراطي والتعددي.
تُظهر هذه التصريحات والتحركات المتتالية أن النظام المصري بقيادة عبد الفتاح السيسي لا يزال مصرًا على الاستمرار في انتهاك حقوق الإنسان، وعلى رأسها حق الحياة، عبر إعدام المعارضين السياسيين. والمطالبة بتنفيذ الأحكام بشكل عاجل، على الرغم من الانتهاكات الموثقة في المحاكمات، يعكس جهلًا تامًا بقيم العدالة والمساواة.
إن الحكومة المصرية باتت في مواجهة مع المجتمع الدولي، الذي يواصل الضغط لإيقاف تنفيذ هذه الأحكام، كما تواصل المنظمات الحقوقية نضالها للوقوف في وجه هذه السياسات القمعية.
إن الشعب المصري، الذي يعاني من هذا الواقع المرير، يواجه تحديًا كبيرًا في مقاومة هذا القمع المستمر. في حين أن الإعلام الحكومي يتولى مهمة تبرير هذه الإجراءات، فإن الأصوات المعارضة تظل محاصرة داخل البلاد، والضغط الدولي يتزايد يوما بعد يوم للمطالبة بالعدالة ووقف هذه الممارسات التي تدينها منظمات حقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم.
نسخ الرابط تم نسخ الرابط