شهدت صادرات القطن المصري تراجعا غير مسبوق خلال الموسم الحالي الذي بدأ في أكتوبر الماضي حيث انخفضت بنسبة 72% مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي وهذا التراجع يسلط الضوء على الأزمات المتلاحقة التي يواجهها القطاع والتي تكشف عن تقاعس الحكومة وتفاقم فسادها في إدارة أحد أهم القطاعات الاقتصادية في مصر على الرغم من المحاولات الفاشلة لتبرير الوضع من قبل المسؤولين
حيث بلغ حجم الصادرات في الفترة من أكتوبر إلى منتصف ديسمبر الحالي 5 آلاف طن بينما كان الرقم في نفس الفترة من العام الماضي 18 ألف طن ليظهر الفرق الشاسع الذي يعكس عجز الحكومة عن دعم الصناعة وتحفيزها بما يواكب المتغيرات العالمية واحتياجات السوق المحلي.
المشاكل التي تواجه تصدير القطن المصري هذا العام ليست مجرد أرقام تجسد الخسائر وإنما هي نتيجة لتراكم السياسات الفاشلة التي تعتمدها الحكومة والتي لا تضع في اعتبارها مصلحة المنتج المحلي أو السوق العالمية فحتى الكميات التي تم تصديرها هذا الموسم هي من إنتاج الموسم السابق ولم تدخل الشركات التجارية في عملية التسويق للموسم الجديد بسبب الأزمات الحادة في تسويق القطن في مصر وهو ما يزيد الوضع تعقيدا ويؤكد أن الحكومة لا تكترث بحماية هذا القطاع الحيوي الذي كان من المفترض أن يكون ركيزة أساسية للاقتصاد المصري.
تواجه عملية تسويق القطن في الموسم الحالي العديد من التحديات التي تدل على سوء التخطيط وغياب الرؤية الواضحة من قبل المسؤولين الحكوميين فعلى المستوى المحلي تواجه الحكومة أزمة كبيرة في تسويق القطن في الداخل قبل تصديره إلى الخارج حيث يعاني القطن المصري من انخفاض حاد في أسعاره على مستوى الأسواق العالمية والتي لا تناسب الأسعار التي فرضتها الحكومة المصرية وهي أسعار ضمان مضاعفة مقارنة بالموسم السابق
فقد أعلنت الحكومة سعر ضمان يصل إلى 10 آلاف جنيه للقنطار في مناطق الوجه القبلي و12 ألف جنيه في الوجه البحري بينما تراوحت أسعار ضمان الموسم السابق بين 4.5 آلاف إلى 5 آلاف جنيه للقنطار وهو ما يزيد الأعباء على المنتجين ويقلل من القدرة التنافسية للقطن المصري في الأسواق العالمية خاصة مع انخفاض الأسعار العالمية لأسعار الأقطان المصرية حيث يتراوح سعر بيع الطن في الأسواق العالمية بين 130 و140 سنتا لليبرة بينما كان السعر في الموسم الماضي يصل إلى حوالي 190 سنتا ما يعكس تراجع القدرة التصديرية.
إن تراجع الأسعار في السوق العالمية مقارنة بأسعار الضمان التي فرضتها الحكومة يعد أحد الأسباب الرئيسية التي تعرقل تصدير القطن المصري حيث إن رفع سعر الضمان بهذا الشكل غير المدروس يفقد المنتجين القدرة على منافسة القطن المصري في الأسواق الخارجية ما يدفعهم إلى عدم تصدير المحصول بل الاحتفاظ به في المخازن المحلية وهو ما يزيد من الضغط على السوق المحلي دون تحقيق استفادة حقيقية من تصدير هذه الكميات وتفاقم أزمة التسويق في الوقت ذاته. ولا يخفى على أحد أن هذا الفشل في التسويق يرجع إلى التلكؤ الواضح في تنفيذ السياسات وتغاضي الحكومة عن اتخاذ قرارات فعالة لتيسير تسويق القطن وتحقيق مصلحة الفلاح والاقتصاد المصري ككل.
ويضاف إلى هذه الأزمات المتشابكة التأخير الكبير في بدء موسم الجني حيث تأخر بداية جني المحصول حتى مطلع أكتوبر بدلا من بداية سبتمبر كما هو معتاد سنويا وهو ما نتج عنه تأثيرات سلبية على الجدول الزمني لتسويق القطن محليا وعالميا وهذا التأخير كان نتيجة مباشرة لتأخر تشكيل اللجنة المسؤولة عن منظومة التسويق وهو ما يعكس تقاعس الحكومة في اتخاذ القرارات الحاسمة في وقتها. ولو كانت الحكومة قد فعلت ما هو مطلوب في الوقت المناسب لكانت الكميات المتاحة للتصدير من المحصول الجديد قد توافقت مع متطلبات السوق الخارجية ولكانت قد تداركت هذه الأزمة قبل تفاقمها إلى هذا الحد.
من المثير للدهشة أن الحكومة بدلا من أن تسعى إلى تقديم حلول عملية لتسويق القطن وتوفير الدعم اللازم للفلاحين اختارت التهرب من المسؤولية من خلال إلقاء اللوم على تقلبات الأسواق العالمية بينما كان الأجدر بها أن تحسن إدارة هذا القطاع وتوفر له التسهيلات اللازمة للمنافسة في الأسواق العالمية ولكن هذا التغاضي يعكس للأسف واقع الفساد الذي ينخر في أركان الحكومة المصرية والذي جعلها تضع الحلول السطحية غير المجدية التي لن تغير من واقع التراجع الكبير في تصدير القطن المصري.
على الرغم من ذلك فقد أرسل الاتحاد الرسمي لمصدري الأقطان مذكرة رسمية إلى الوزارات المعنية في محاولة للفت الانتباه إلى الأزمة وطرح بعض الحلول التي قد تساعد في تحسين الوضع مثل تقديم دعم مالي للفلاحين بواقع ألفي جنيه لكل قنطار من القطن إلا أن هذه الحلول لم تلق استجابة تذكر من الحكومة وهو ما يدل على غياب أي إرادة سياسية حقيقية للإصلاح أو حتى لتقديم حلول قابلة للتنفيذ في هذه الأزمة الطاحنة.
وفي خضم هذه الأزمات لا تزال المصانع المحلية غير قادرة على استهلاك كميات كبيرة من القطن المصري بل تظل في حاجة مستمرة لتلبية متطلبات السوق العالمية التي تحدد الأسعار وفقا للعرض والطلب العالمي بينما لا تملك الحكومة أي قدرة على التأثير في تلك الأسعار وذلك بسبب استراتيجياتها الفاشلة في التعامل مع هذا القطاع المهم مما يعكس الصورة القاتمة لصناعة القطن في مصر على الرغم من تاريخها العريق.
إن الواقع الراهن يعكس مدى تقاعس الحكومة المصرية في حماية صناعة القطن والتي كانت فيما مضى مصدر رزق لكثير من الفلاحين والمزارعين وركيزة اقتصادية هامة في البلاد. ولكن في ظل الفساد المستشري والإدارة الفاشلة من قبل الحكومة يبدو أن هذه الصناعة ستستمر في الانحدار بشكل لا يمكن تجاهله مما يهدد بزيادة المعاناة الاقتصادية للمزارعين الذين هم أول من يتأثرون بتلك السياسات الفاشلة.
نسخ الرابط تم نسخ الرابط