أصدرت المحكمة العسكرية في محافظة الإسماعيلية بعد مرور عام من الحبس الاحتياطي، حكماً بالسجن على 62 شخصاً من سكان سيناء في القضية المعروفة بمظاهرات “حق العودة” التي نظمها الأهالي للمطالبة بالعودة إلى مناطقهم التي تم تهجيرهم منها قسراً.
هؤلاء المواطنين الذين عانوا من سنوات طويلة من الإبعاد القسري، طالبوا باستعادة أراضيهم في رفح والشيخ زويد التي تم طردهم منها بفعل السياسات القمعية الحكومية.
المحكمة العسكرية فرضت عقوبات مشددة على هؤلاء المواطنين، تراوحت بين ثلاث إلى عشر سنوات سجناً، حيث تم الحكم على 12 شخصاً بالسجن لمدة سبع سنوات، فيما تعرض 42 شخصاً آخرين للسجن لمدة ثلاث سنوات.
الحكم شمل أيضاً غيابياً ثمانية أشخاص آخرين، من بينهم صحافيون كان لهم دور بارز في تسليط الضوء على معاناة هؤلاء المواطنين.
تعود القضية إلى أكتوبر من العام 2023، حيث تجمع المئات من أبناء القبائل السيناوية من الرميلات والسواركة بالقرب من قرى الحسينات والمهدية، جنوب مدينة رفح وقرية الزوارعة، احتجاجاً على قرار السلطات بتهجيرهم من أراضيهم في سياق حملة عسكرية شاملة تهدف إلى تصفية المنطقة وفرض سيطرة الجيش على تلك المناطق الاستراتيجية.
تلك المناطق التي كانت منذ سنوات مصدراً رئيسياً للرزق والحياة لسكانها، أصبحت الآن مجرد أراض مهجورة تعاني من غياب أدنى مقومات الحياة.
السلطات المصرية اختارت أن تصم آذانها عن مطالب الأهالي الذين لا يزالون يعانون من تهجير قسري طال أمده، ولم يكن أمام هؤلاء إلا التظاهر للمطالبة بحقوقهم المشروعة.
الحكومة التي تدعي العمل على استقرار البلاد، لم تجد حلاً لتلك الأزمة سوى استخدام القوة العسكرية والقانونية لمحاربة المواطنين الأبرياء الذين لا يتعدى ذنبهم المطالبة بحياة كريمة على أراضيهم التي طردوا منها.
الجريمة الوحيدة التي ارتكبها هؤلاء المواطنين هي أنهم طالبوا بحقوقهم المشروعة في العودة إلى منازلهم وأراضيهم، وهي حقوق مكفولة لهم بموجب جميع القوانين المحلية والدولية، التي تضمن لكل إنسان العيش بكرامة في أرضه.
ولكن الحكومة، بدلاً من الاستماع إلى مطالبهم، اختارت الرد بالعقوبات القاسية التي تكشف عن الوجه الحقيقي للفساد في دوائر الحكم، حيث لم تتورع عن استخدام القضاء العسكري كأداة للبطش وقمع الأصوات المعارضة.
ما حدث في محكمة الإسماعيلية هو تعبير صارخ عن الفشل الذريع للحكومة في التعامل مع القضايا الإنسانية، حيث لم تحاول أبداً إيجاد حل عادل يراعي حقوق المواطنين ولا يعرضهم للتعسف والظلم.
بل على العكس، برهنت الحكومة المصرية مرة أخرى على مدى تقاعسها عن تحمل مسؤولياتها تجاه مواطنيها، وعدم اهتمامها بمعاناتهم، بل واستخدامها للسلطة العسكرية لتسويغ سياسة التهجير القسري التي تضر بحقوق المدنيين.
لكن ما لا يمكن إنكاره هو أن هذا الحكم العسكري هو مجرد حلقة من سلسلة طويلة من الإجراءات القمعية ضد أهالي سيناء، الذين يتعرضون منذ سنوات طويلة للتهجير والتهميش في إطار عمليات عسكرية لا تنتهي، يتخللها قمع مستمر لأي شكل من أشكال الاعتراض على سياسات الحكومة.
من المؤسف أن هؤلاء المواطنين لا يجدون حتى حق الدفاع عن أنفسهم أو التعبير عن آرائهم دون أن يلقوا المصير ذاته: السجن أو الإخفاء القسري أو القتل خارج إطار القانون.
إن هذه القسوة في التعامل مع المواطنين تكشف عن نظام حكم لا يراعي أبسط حقوق الإنسان، ولا يهتم لما يعانيه المواطنون في سيناء من ظروف مأساوية.
أهالي سيناء الذين تم تهجيرهم من أراضيهم لا يزالون يواجهون حياة مليئة بالمخاطر والظروف القاسية، في ظل عدم وجود أي حلول جادة من الحكومة التي تواصل تجاهلهم بشكل متعمد.
إضافة إلى ذلك، لا يبدو أن هناك أي إرادة سياسية حقيقية لمعالجة هذه الأزمة، بل على العكس، فإن النظام المصري يبدو أكثر إصراراً على فرض المزيد من القيود على حرية التعبير والتجمع، وتوظيف القضاء العسكري كوسيلة لتصفية الحسابات مع كل من يعارض سياساته.
وتظل تلك الأحكام الجائرة شاهدة على الفشل الذريع في إدارة الدولة، وعلى فساد نظام يحاول استخدام كل أدواته القمعية لتغطية فشله في توفير حياة كريمة للمواطنين.
هذا الحكم لا يعكس سوى حجم الظلم الواقع على سكان سيناء الذين يعيشون في معاناة مستمرة دون أن يحظوا بأي دعم حقيقي من الحكومة، بل على العكس، يتم التعامل معهم وكأنهم أعداء للوطن.
من المثير للاشمئزاز أن الحكومة المصرية تستمر في مسلسل التضييق على المواطنين في سيناء، وتعتبر مطالبهم البسيطة بالعودة إلى أراضيهم جريمة يعاقب عليها بالسجن لسنوات طويلة، بينما تواصل نهجها في استخدام القضاء العسكري كأداة قمعية لتصفية حساباتها مع الأهالي الذين لا يملكون سوى أصواتهم التي يرفعونها للمطالبة بحقوقهم المشروعة.
نسخ الرابط تم نسخ الرابط