كلايد راسل *
استوردت الصين كمية قياسية من الفحم في عام 2024، ما دفع واردات العالم من السلعة إلى أعلى مستوى لها على الإطلاق. فلماذا استهل مصدرو الفحم عامهم الجديد بحالة من الاكتئاب والقلق الشديدين؟
بالنسبة لهؤلاء، فإن الصين هي المنقذ والمعذب في الوقت نفسه، حيث لم يكن من الممكن تحقيق أحجام الواردات القياسية تلك إلا من خلال انخفاض أسعار الفحم المُصدَّر والمنقول بحراً إلى أدنى مستوياتها منذ سنوات عدة. وبالفعل، تراجعت الأسعار من أجل الحفاظ على القدرة التنافسية مع أسعار الصين المحلية، حيث يقود أكبر منتج ومستورد للفحم في العالم تحركات الأسواق العالمية.
واستقبلت الصين 542.7 مليون طن متري من الفحم في عام 2024، بزيادة 14.4% عن 474.42 مليون طن في عام 2023، وفقاً للبيانات الجمركية الأخيرة. وكانت هذه الزيادة مدفوعة بالكثير من العوامل، بما في ذلك انخفاض توليد الطاقة الكهرومائية، الأمر الذي عزز الطلب على الفحم الحراري لإنتاج الكهرباء. ومع ذلك، فمن المرجح أن العامل الرئيسي وراء واردات الصين القياسية كان انخفاض أسعار الفحم المنقول بحراً من كبار المصدرين إندونيسيا وأستراليا.
وبلغة الأرقام، جرى تقييم أسعار الفحم الإندونيسي بمحتوى طاقة يبلغ 4200 كيلو كالوري لكل كيلوغرام من قبل وكالة تقارير أسعار السلع الأساسية «أرغوس» عند 49.97 دولار للطن في الأسبوع المنتهي في 30 ديسمبر/ كانون الأول، أي بانخفاض 13.5% عن العام السابق، وأدنى مستوى منذ إبريل/ نيسان 2021.
كما بلغت أسعار الفحم الأسترالي بمحتوى طاقة 5500 كيلو كالوري لكل كيلوغرام، وهو درجة شائعة لدى المشترين الصينيين 81.77 دولار للطن في ميناء نيوكاسل للأسبوع المنتهي في 27 ديسمبر، بانخفاض 12.3% عن العام السابق، وأدنى مستوى منذ يوليو/ تموز 2021.
وفي مطلع العام 2025، وفي الأسبوع المنتهي في 10 يناير/ كانون الثاني، انخفض الصنف الأسترالي مجدداً وبشكل طفيف إلى 81.01 دولار للطن، وكذلك تراجع نظيره الإندونيسي إلى 49.67 دولار.
إلى ذلك، تزامن انخفاض أسعار الفحم الحراري المنقول بحراً مع ضعف الأسعار المحلية في الصين أيضاً، حيث قيّمت شركة «ستيل هوم» الاستشارية السلعة الحيوية في ميناء تشينهوانغداو عند 775 يوان (106 دولارات) للطن الاثنين قبل أسبوع. وهذا أعلى قليلاً من أدنى مستوى له مؤخراً بلغ 765 يوان للطن، والذي كان الأضعف منذ يونيو/ حزيران 2023، وانخفاض بنسبة 17.6% عن أعلى مستوى في العام المنصرم عند 940 يوان أواخر فبراير/ شباط.
هناك نوع من التناقض بين أسعار الفحم وحجم الواردات، وليس من الواضح ما إذا كان المستوى القوي للشحنات هو نتيجة لضعف الأسعار، أو ما إذا كان انخفاض الأسعار قد سمح لحجم الواردات بالبقاء قوياً.
بالنسبة للصين، ارتفعت الواردات في النصف الثاني من عام 2024 مع انخفاض أسعار الشحن البحري، وكان لشهر نوفمبر/ تشرين الثاني النصيب الأعلى منها مع 54.98 مليون طن متري. لكن الهند، ثاني أكبر مستورد للفحم في العالم، أظهرت نمطاً مختلفاً، حيث انخفضت الواردات في النصف الثاني من عام 2024 حتى مع ضعف الأسعار. وبلغ إجمالي واردات الهند من الفحم 228.72 مليون طن في عام 2024، بانخفاض متواضع بنسبة 2.7% عن الرقم القياسي البالغ 234.99 مليون في العام الذي قبله، وفقاً للبيانات التي جمعها محللو السلع الأساسية «كبلر».
السؤال المطروح أمام منتجي الفحم اليوم، هل سيكون الطلب على الفحم المنقول بحراً قوياً في عام 2025 كما كان في 2024 و2023، عندما بلغت الواردات العالمية 1.279 مليار طن و1.276 مليار على التوالي؟
بدورها، تتوقع جمعية نقل وتوزيع الفحم في الصين انخفاض واردات البلاد إلى 525 مليون طن هذا العام. وقد تشهد الهند أيضاً انخفاضاً في الواردات إذا استمر الناتج المحلي في الارتفاع، وواصلت الحكومة سياساتها التشجيعية نحو مزيد من استهلاك الإنتاج المحلي.
خارج المستوردين الكبار، من الصعب تقديم حجة صعودية للسلعة. ومن المرجح أن يظل الطلب بين مستوردي آسيا الآخرين، مثل اليابان وكوريا الجنوبية، ثابتاً في أفضل الأحوال. أما في أوروبا، وعلى الرغم من فقدان إمدادات الغاز الطبيعي الروسي عبر الأنابيب، فمن غير المرجح أن تعود شركات المرافق العامة إلى الفحم نظراً للمخاوف البيئية. وانخفضت واردات القارة العجوز للعام الماضي إلى 88.52 مليون طن، من 108.98 مليون في 2023، بحسب «كبلر».
*كاتب متخصص في أسواق السلع والطاقة الآسيوية (رويترز)