أندرو موران *
كان الدولار الأمريكي على وشك إنهاء العام الماضي على أسوأ حال، ومواصلة دوامة الهبوط نحو السنة الجديدة. ولكن هذا لم يحدث، على الأقل حتى الآن. والواقع، أن الدولار يبلغ اليوم أفضل مستوياته في عامين، وهو العملة الأعلى أداء بين أي اقتصاد متقدم في العالم. صحيح أن الدولار فقد معظم قيمته على مدار القرن الماضي، لكن الأسواق المالية العالمية منتشية بشأنه، لأن العملات في أماكن أخرى غالباً ما تقدم القليل جداً من الآفاق للمستقبل.
لقد كان أداء مؤشر الدولار، وهو مقياس للعملة الأمريكية مقابل سلة مرجحة من ست عملات يهيمن عليها الين الياباني واليورو، رائعاً العام المنصرم. حيث ارتفع بنسبة 6.5% إلى 108.53، وهو أعلى مستوى منذ أكتوبر 2022.
ولم يكن من المفترض أن يحدث هذا. فقبيل موعد اجتماع السياسة النقدية لمجلس الاحتياطي الفيدرالي في سبتمبر/أيلول، انخفض مؤشر الدولار الأمريكي، وبدا وكأنه على استعداد للهبوط إلى ما دون 100.
وذكرت تقارير صحفية أن بدء الفيدرالي لدورة التيسير بخفض سعر الفائدة بمقدار نصف نقطة مئوية أدى إلى استنتاجات مختلفة في السوق الأوسع، ما يشير إلى أن المتداولين كانوا يترقبون بحذر ما يجري داخل أروقة مبنى «إكليس».
في المقابل، ارتفعت عائدات الخزانة إلى مستويات لم نشهدها منذ الربيع. فقد صعد العائد القياسي لعشر سنوات بنحو 1% على مدى الأشهر الثلاثة الماضية. ولكن إذا استمرت الاتجاهات الصعودية، فربما تلامس سندات الحكومة الأمريكية لأجل 20 و30 عاماً مستويات قياسية جديدة عند 5%. وهذا يؤثر سلباً في الكثير من الأطراف، وخاصة المقترضين، مثل الرهن العقاري، وقروض السيارات، وبطاقات الائتمان، مع مواصلة تكاليف خدمة الديون الأمريكية نموها.
في الواقع، اتبع الدولار الأمريكي نفس المسار الصعودي، الأمر الذي أدى إلى نتائج مختلطة للاقتصاد الأوسع نطاقاً. صحيح أنه خبر طيب للمستوردين، لأنه يزيد من قدرتهم الشرائية، لكنه لا يُعد تطوراً محموداً لإدارة قادمة تريد تعزيز الصادرات. وبما أن قوة الدولار تحافظ على قبضتها على الأسواق المالية العالمية، فما الذي قد يدفع أي شخص إلى التخلي عن أصل جيد مثل الذهب الآن؟
وعلى الرغم من أن ريادة بنك الاحتياطي الفيدرالي للسوق تشكل حالة مؤثرة بالفعل، فإن هناك عاملاً يلوح في الأفق: الحالة المزرية للعملات في جميع أنحاء العالم. فقد هبطت الروبية الهندية مؤخراً إلى أدنى مستوى لها على الإطلاق مقابل الدولار الأمريكي. وانخفض الدولار الكندي بنسبة 8% مقابل الدولار الأمريكي. وكان الين الياباني على وشك الخروج عن السيطرة في الصيف الماضي قبل تدخل بنك البلاد المركزي، على الرغم من أنه لا يزال ينخفض بنسبة 9% مقابل الدولار. بدوره، لم يكتف اليوان الصيني بالانخفاض بنسبة 2% مقابل الدولار فحسب، بل إن عملة ثاني أكبر اقتصاد في العالم عرضة للتلاعب. وعليه، أين يمكن ببساطة وبدقة أن يضع المستثمرون أموالهم؟
وفي شق متصل، هل شاهدتم سعر الكاكاو مؤخراً؟ يا له من عام رائع بالنسبة لثاني أفضل أنواع الحبوب في العالم (بعد القهوة بالطبع). فقد ارتفعت العقود الآجلة للكاكاو بنسبة 175% في عام 2024، مسجلة أعلى مستوى قياسي عند نحو 13000 دولار للطن المتري في بورصة العقود الآجلة الأمريكية «آي سي إي».
وقد غذت هذه الزيادة المخاوف بشأن العرض في غرب إفريقيا. كما كانت مزيجاً من الظروف الجوية السيئة، والأشجار المعمرة، وأسعار الأسمدة المرتفعة للغاية، أضف إليها البنية التحتية المتهالكة. وحتى مع ارتفاع التكاليف، ظل الطلب سليماً نسبياً، على الرغم من تحذير الشركات من أن شهية المستهلكين للحلويات قد تآكلت وستعدل مكوناتها.
خلال الصيف، أشارت الأسواق إلى أن الغوث قادم إلى مناطق الزراعة الرئيسية في غانا وساحل العاج. ومع ذلك، في الأسابيع الأخيرة من العام، استعادت أسعار الكاكاو الزخم بسرعة، وحامت حول 12000 دولار للطن المتري. ومع ذلك، لم تتسرب حتى الآن أسعار الكاكاو المرتفعة إلى سوق الشوكولاتة الأوسع، لكن من غير الواضح إلى متى سيستمر هذا.
في شق متصل، تدور أحدث مناقشة في عالم الاقتصاد حول ما إذا كان التضخم العنيف سيعاود الظهور مجدداً، في وقت تشير فيه كل الدلائل إلى ذلك. حيث ارتفعت مقاييس التضخم المركزية، مؤشر أسعار المستهلكين والمنتجين ومؤشر أسعار الإنفاق الاستهلاكي الشخصي المفضل لدى بنك الاحتياطي الفيدرالي، منذ خفض البنك أسعار الفائدة، وتشير التقديرات الأولية إلى أنها سترتفع مرة أخرى هذا الشهر. لقد ارتفع المعروض النقدي كل شهر في عام 2024، وأصبحت الظروف المالية هي الأكثر مرونة منذ ما قبل دورة التشديد الكمي للبنك المركزي، ولم يُظهر الإنفاق الحكومي ولا العجز والديون أي علامات على التقييد.
ومثل المراجعات الهبوطية شبه المضمونة لمجموعة من بيانات التوظيف، من المرجح أن يتحمل ترامب اللوم عن أي تجدد لشعلة التضخم.
*محرر الاقتصاد في «ليبرتي نايشن»