د. عبدالعظيم حنفي *
يشعر صنّاع القرار وأقطاب الصناعة في كوريا الجنوبية بالقلق من تداعيات عودة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الى البيت الأبيض لعدة أسباب قد يكون من أهمها:
* أولاً: تأتي تلك العودة في خضم أزمة سياسية داخلية في كوريا ما يجعلها في وضع لا يسمح لها بالدفاع بقوة عن مصالحها، وهي تخاطر بتهميش إدارة ترامب لها نتيجة لعدم وجود رئيس وحكومة كورية جنوبية يمكنها التحدث بتفويض من الشعب.
* ثانياً: إن العلاقات بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية على وشك الدخول في فترة من عدم اليقين. يتم تنصيب دونالد ترامب الرئيس السابع والأربعين للولايات المتحدة. وبالحكم على ولايته الأولى، فمن المرجح أن تكون أجندة ترامب السياسية والتجارية وميوله الشخصية غير متوافقة مع الحلفاء، بما في ذلك كوريا الجنوبية. حيث تسعى الولايات المتحدة تحت قيادة ترامب إلى اتخاذ إجراءات «لجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى»، وهو الإجراء الذي قد لا يكون في مصلحة سيؤول التي تستعد للصدمات. حيث تعهد ترامب بفرض تعريفات جمركية عالية، 60% على الصين و10% إلى 20% تعريفات جمركية شاملة على كلّ الواردات الآتية من مختلف البلدان بما فيها كوريا. وسيكون هناك ثلاثة أنواع من التعريفات الجمركية. الأول هو التعريفات الجمركية على الصين، والتعريفات الجمركية على منتجات محددة والتعريفات الجمركية الشاملة. ستتأثر الصين بشدة، ولكن لأن صادرات كوريا إلى الصين أقل مما كانت عليه خلال إدارة ترامب الأولى، فقد تتأثر كوريا بشكل أقل.
* ثالثاً: من حيث الصناعة، ستتعرض صناعة السيارات الكورية لبعض التأثير. وتشير تقديرات معاهد اقتصادية كورية إلى أنه إذا دخلت سياسات التعريفات الجمركية لترامب حيز التنفيذ هذا العام، فسوف تعاني كوريا من انخفاض تجاري يتراوح بين 14 مليار دولار و19 مليار دولار سنويًا، وقد ينخفض النمو الاقتصادي في نطاق 0.4 إلى 0.7 نقطة مئوية.
* رابعاً: في أسوأ الأحوال، قد يجتذب الفراغ القيادي في سيؤول الرئيس ترامب الى فرض قضية إعادة التفاوض على اتفاقية التجارة الحرة بين كوريا والولايات المتحدة خلال فترة يتقلص فيها نفوذ حكومة كوريا الجنوبية. والحجة أن كوريا الجنوبية تسجل فائضاً تجارياً سنوياً يتجاوز 24 مليار دولار مع الولايات المتحدة.
* خامساً: ستؤثر سياسة ترامب التجارية على الاقتصاد الكوري، حيث سيكون التغيير في سلسلة القيمة العالمية في شرق آسيا من أبرز الأجزاء. ولن تؤدي إعادة تشكيل سلاسل الإمداد التي تهدف بوضوح إلى استبعاد الصين، إلا إلى كسر شبكة سلاسل الإمداد الحالية في المنطقة. حيث تعد الصين شريكًا اقتصاديًا وتجاريًا مهمًا لكوريا الجنوبية ودول الآسيان، ومصالح دول المنطقة متجذرة بعمق في الشبكة الحالية، ولا يوجد سبب للانسحاب من التعاون الأصلي واتخاذ «خيار واحد من الخيارين» ما يعنى أن إدارة ترامب ستربط الأمن الاقتصادي والجغرافيا والايديولوجيا كوسيلة مهمة لزيادة وحدة التحالف الأمريكي وتقوية المنافسة مع الصين، وتعد مرونة «سلاسل الإمداد» مجالًا مهمًا يمكن تجسيد هذا النهج الهجين فيه.
* سادساً: هناك الإطار الاقتصادي IPEF الذي يهدف إلى تعزيز علاقات واشنطن مع الحلفاء والشركاء بما فيها كوريا الجنوبية ومن أجل تحديد العقود القادمة للابتكار التكنولوجي في الاقتصاد العالمي - خاصة في المنطقة الأكثر حيوية للعقود القادمة، المحيطين الهندي والهادئ وهو يمثل 2.5 مليار شخص، أو 32.3 في المئة من إجمالي سكان العالم. ويهدف إلى تناول ما يسمى بأجندة التجارة الجديدة، بما في ذلك:
(ا) تطوير مناهج جديدة للتجارة تلبي المعايير الرفيعة للعمل والبيئة
(2) وضع قواعد الطريق للاقتصاد الرقمي
(3) ضمان سلاسل التوريد الآمنة والمرنة
(4) المساعدة في إجراء أنواع الاستثمارات الرئيسية اللازمة في البنية التحتية للطاقة النظيفة
(5) رفع معايير الشفافية، والضرائب العادلة، ومكافحة الفساد
إلا أن هناك مخاطر على الاقتصاد الكوري لان هذا الإطار الاقتصادي يستهدف الصين بشكل مباشر، ما قد يتسبب في وقوع كوريا في موقف حرج نتيجة للصراعات المتزايدة بين الولايات المتحدة والصين.، فكوريا تعتمد على الولايات المتحدة أمنياً وعلى الصين اقتصادياً، وهذا يعنى أن تلك السياسة قد تصبح صعبة. وفق تقرير صادر عن صندوق النقد الدولي، فإن تراجع إجمالي الناتج المحلي الصيني بنسبة 1% يؤدي إلى انكماش في الناتج المحلي الكوري بنسبة 0.5%. وترجع الصعوبة إلى مطالبة العديد من كبار المسؤولين في إدارة ترامب الثانية بمشاركة أكبر من كوريا الجنوبية في التعاون مع الولايات المتحدة لاحتواء الصين.
سابعاً: تعامل إدارة ترامب الثانية مع كوريا الشمالية، حيث أشار بيت هيجسيث (المرشح وزيراً للدفاع في إدارة ترامب) إلى كوريا الشمالية باعتبارها «قوة نووية»، ما أثار غضب كوريا الجنوبية لعدد من الأسباب:
(1) لا يغير السرد الدولي بشأن الوضع النووي لكوريا الشمالية فحسب.
(2) يقوض أيضًا الجهود التي استمرت عقودًا من الزمان بقيادة واشنطن وسيؤول لتحقيق نزع السلاح النووي من الشمال.
(3) كما أنه ينقل السرد الدولي من نزع السلاح النووي إلى ضبط الأسلحة.
(4) أن الخطر هنا هو أن واشنطن وبيونج يانج قد تتفقان في نهاية المطاف على تجميد الأسلحة النووية بدلاً من اتفاق شامل لنزع السلاح.
(5) هذا التحول المحتمل في السرد لن يؤثر فقط على التحالف بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية، بل قد يؤدي أيضاً إلى إحداث تأثير دومينو إقليمي خطر.
(6) هناك احتمال لان تخفض إدارة ترامب عدد قواتها في كوريا البالغ 28500 جندي أمريكي بحجة عدم سداد سيؤول قيمة ملائمة لتواجد تلك القوات التي تتزايد نفقاتها الأمر الذي من شأنه أن يجعل الدعوة إلى امتلاك السلاح النووي تتزايد في كوريا الجنوبية.
(7) ما يزيد الوضع سوءاً معاهدة الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين روسيا وكوريا الشمالية.
* كاتب مصري