في واقعة فساد مدوية تكشف عن مستنقع من الفساد المستشري داخل الهيئة العامة لقصور الثقافة وفي إقليم شرق الدلتا الثقافي بشكل خاص، تعرضت تلك المنطقة لعملية استغلال للمال العام عبر تلاعبات في المصروفات المخصصة للأنشطة الثقافية والمسرحية.
حيث تمكنت عضو التفتيش نجلاء سميح من اكتشاف عدد من المخالفات المالية التي طالت الإنفاق على الديكور ولجان التحكيم، وكان ذلك نتيجة لفحص دقيق وموضوعي بناء على شكاوى قدمها عدد من المسرحيين ضد مسئولين بالهيئة ومدير عام الإدارة العامة للمسرح.
وتبدأ القصة عندما وردت شكاوى تتعلق بالتلاعب في الأموال التي تم صرفها على أعمال الديكور في المسارح التابعة لإقليم شرق الدلتا، بالإضافة إلى مخالفات أخرى متعلقة بلجان التحكيم المسرحي.
وعلى الفور، قامت السيدة نجلاء سميح بأداء عملها بكل دقة وكفاءة، فكانت تستند إلى ضميرها المهني في فحص تلك الشكاوى بجدية. وبعد التحقيقات والتحريات التي أجرتها، تمكنت من كشف مجموعة من المخالفات المالية التي تمثل استغلالاً للمال العام وتلاعباً في الأموال التي تم تخصيصها للأعمال المسرحية في هذا الإقليم.
وبناءً على ما توصلت إليه من نتائج، قررت نجلاء سميح إحالة الملف برمته إلى نائب رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة، لتوجيهه إلى النيابة الإدارية لاتخاذ الإجراءات القانونية المناسبة ضد من ثبت تورطهم في هذه المخالفات.
وقد أبلغت الشاكين بنتيجة عملها وأخبرتهم بأنها أحالت الموضوع للنيابة الإدارية وأرسلته إلى نائب رئيس الهيئة لتولي متابعة القضية. لكن ما حدث بعد ذلك كان صادماً بشكل كبير.
عندما حاول الشاكين الاستفسار عن مصير تقرير التفتيش من نائب رئيس الهيئة، فوجئوا بأن القيادات المسؤولة، وعلى رأسهم نائب رئيس الهيئة وعبد الحليم سعيد، مدير عام المراجعة الداخلية والحوكمة، قد تقاعسوا عن اتخاذ أي إجراءات قانونية، بل قاموا بالتستر على المخالفات.
وقد أصر نائب رئيس الهيئة على إخفاء الحقيقة عن الرأي العام، بل كلف عبد الحليم سعيد بالتوجه إلى إقليم شرق الدلتا الثقافي للضغط على السيدة نجلاء سميح من أجل تغيير تقريرها وتجاهل المخالفات المالية المتورط فيها عدد من المسئولين.
لكن السيدة نجلاء سميح، بحزمها وجرأتها التي تفتقدها الكثير من الشخصيات التي تشغل المناصب القيادية في الهيئة، رفضت الضغوط التي مورست عليها ورفضت أن يتم تغيير تقريرها أو التستر على الفساد، متمسكة بمبادئها المهنية. وطلبت منهم مخاطبتها بشكل رسمي لتغيير التقرير، وهو ما يعني أنها ترفض أي محاولة لتحريف نتائج التحقيقات.
لكن ما يزيد من تعقيد هذه القضية هو الدور المشبوه لعبد الحليم سعيد، مدير عام المراجعة الداخلية والحوكمة، الذي استغل منصبه للتغطية على الفساد ولم يلتزم بأخلاقيات العمل العام.
فبدلاً من اتخاذ إجراءات صارمة ضد المخالفات، بدأ يردد تهديدات لقيادات الهيئة بأنه مدعوم من قبل جهات داخل الرقابة الإدارية بالوزارة، كما استغل أسماء شخصيات محترمة في تلك الجهات بهدف الضغط على قيادات الهيئة للسماح بمرور المخالفات. بل إنه وصل إلى حد التأكيد على أنه يسعى لإبقاء أعضاء التفتيش في مواقع محددة في الأقاليم الثقافية من أجل تسهيل عمليات هدر المال العام.
تتضح الصورة هنا بجلاء: هناك تواطؤ بين بعض قيادات الهيئة العامة لقصور الثقافة من جهة، وعبد الحليم سعيد من جهة أخرى، حيث يقومون بتعطيل التحقيقات ومحاولات كشف الفساد.
الأمر الذي يضع علامات استفهام كبيرة حول مدى الجدية التي يتمتع بها المسؤولون في الهيئة في مكافحة الفساد. فإن كان هذا هو حال الهيئة العامة لقصور الثقافة في أحد الأقاليم الثقافية، فإن ذلك يثير القلق العميق حول وضع الهيئة ككل، ويعكس حجم الفساد المستشري الذي يستوجب تدخلاً سريعاً وجاداً من الجهات المختصة.
من المؤكد أن هذا التستر على الفساد يشير إلى أن هناك منظومة فاسدة لا تريد أن ترى النور، وتحاول إخفاء الحقائق عن الرأي العام من أجل مصلحة ضيقة تتعلق بالحفاظ على مواقع السلطة والمصالح الشخصية على حساب المال العام.
وفي ظل هذا المناخ الفاسد، يبقى السؤال: هل ستستمر الهيئة العامة لقصور الثقافة في إغلاق أعينها عن المخالفات، أم أن هناك من سيقف ضد هذه الممارسات الفاسدة ويحاربها من أجل حماية المال العام والارتقاء بالثقافة في مصر؟
إن القضية التي أظهرتها نجلاء سميح تمثل فقط جزءاً من صورة أكبر للفساد الذي يعصف بالجهاز الإداري في الهيئة العامة لقصور الثقافة، وعلى الجهات الرقابية أن تفتح ملف هذا الفساد الذي يبدو أنه لا ينتهي، حتى يتم اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة لضمان تحقيق العدالة ووقف استغلال المال العام.
نسخ الرابط تم نسخ الرابط