في خطوة غير مسبوقة وتأتي بمثابة ضربة موجعة لمئات الآلاف من السوريين في مصر أعلنت الحكومة المصرية عن قرار مفاجئ يقضي بمنع دخول السوريين حاملي الإقامات الأوروبية والأميركية والكندية إلى البلاد دون الحصول على موافقة أمنية مسبقة
وفرض هذا القرار قيودًا صارمة على دخول السوريين الحاملين لتأشيرات شنغن فضلًا عن منع دخول أفراد أسر السوريين المتزوجين من مصريين أو مصريات إلا بموافقة أمنية وهو القرار الذي بدأ سريانه منذ السبت الماضي ليشكل بداية فصل جديد في سياسة التعامل مع السوريين داخل مصر ويطرح العديد من التساؤلات حول دوافعه ونتائجه
القرار الذي اعتبره العديد من المراقبين خطوة مفاجئة يأتي في وقت حساس بعد أسابيع من التحولات السياسية الكبرى في سوريا حيث سيطرت المعارضة على العاصمة دمشق ما دفع الرئيس السوري بشار الأسد إلى الهروب إلى روسيا مما أدى إلى تصاعد المخاوف في مصر ودول أخرى بشأن تدفق مزيد من اللاجئين والمهاجرين السوريين خصوصًا في ظل الأوضاع السياسية المتأزمة في المنطقة ورغبة دول عدة في تقليص عدد السوريين على أراضيها في ظل غياب آفاق الحلول السياسية وإنهاء النزاع في سوريا
الآثار الاقتصادية والاجتماعية للقرار
من خلال هذه الإجراءات الجديدة تدفع الحكومة المصرية إلى مزيد من العزلة للمجتمع السوري في مصر وفرض مزيد من القيود على حركة دخولهم وخروجهم وهي خطوة قد تؤدي إلى تداعيات اقتصادية واجتماعية كارثية في بلد يعيش فيه نحو مليون ونصف المليون سوري حيث يعتبر هذا المجتمع من أكبر المجتمعات السورية في الخارج والقرار الذي يشمل حظر دخول أفراد أسر السوريين المتزوجين من مصريين يعد تحولًا خطيرًا في السياسات المتعلقة باللاجئين والمهاجرين حيث يؤثر بشكل مباشر على حياة الكثير من الأسر التي لا تجد لهم ملجأ سوى مصر
تشير التقارير إلى أن أكثر من 150 ألف سوري مسجلين كلاجئين في مصر لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وهو رقم ضخم يعكس حجم الأزمة الإنسانية التي يعيشها السوريون في مصر هؤلاء الذين وجدوا في مصر ملاذًا بعد سنوات من النزاع والدمار في وطنهم ومع القرار الجديد فإنهم يواجهون تحديات إضافية قد تهدد استقرارهم المعيشي وتعرض حياتهم للخطر خاصة في ظل عدم وجود بدائل واضحة للهجرة أو اللجوء إلى دول أخرى
السوريون في المدن الجديدة: معاناة متجددة
تتركز أعداد كبيرة من السوريين في المدن الجديدة مثل مدينة 6 أكتوبر وغيرها حيث يعيشون في ظروف معيشية صعبة ويعتمدون على عملهم في القطاع الخاص أو في تجارة صغيرة لتأمين قوتهم اليومي ومع القرار الجديد من المحتمل أن تزداد معاناتهم بشكل أكبر خاصة أن العديد من هؤلاء السوريين قد عاشوا في مصر لعشرات السنين وكانوا جزءًا من النسيج الاجتماعي والاقتصادي في بعض المناطق المصرية
لا يقتصر تأثير القرار على المهاجرين السوريين فحسب بل يمتد إلى علاقاتهم بالأسر المصرية التي تربطهم بها علاقات زواج وأبناء من الجيل الثاني السوري الذي نشأ في مصر وعاش فيها طوال حياته ومن الممكن أن يتسبب القرار في تفرقة الأسر في الوقت الذي تتزايد فيه المخاوف من ارتفاع الحواجز بين المصريين والسوريين نتيجة لتزايد القوانين المقيّدة للهجرة واللجوء
القرار في سياق السياسة الإقليمية والدولية
قد تكون خطوة الحكومة المصرية جزءًا من موجة من السياسات المتشددة في العديد من دول العالم تجاه اللاجئين السوريين وفي الوقت الذي لا يمكن فيه تجاهل دوافع الحكومة المصرية في محاولتها لتقليل أعداد اللاجئين بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تعيشها البلاد فإن هذا القرار يضع عبئًا ثقيلًا على الشعب السوري الذي أجبر على مغادرة بلاده بسبب أهوال الحرب المستمرة منذ سنوات
ورغم أن الحكومة المصرية تتذرع بالأسباب الأمنية والاقتصادية لتفسير قرارها إلا أن توقيت القرار يشير إلى أن هناك ضغوطًا إقليمية ودولية تتعرض لها مصر لتقليص تدفق اللاجئين إلى أراضيها في وقت تشهد فيه العلاقات الإقليمية توترًا نتيجة للأوضاع في سوريا ومحاولات بعض القوى الكبرى للحد من تأثير اللاجئين السوريين على أمنها القومي
تحديات مستقبلية ومخاوف من التصعيد
ما يثير القلق في هذا القرار هو تأثيره على العلاقات المصرية السورية في المستقبل فإغلاق الأبواب أمام السوريين يمكن أن يعمق من مأساة المجتمع السوري ويزيد من الضغوط النفسية والاجتماعية عليهم وهذا في ظل غياب أفق واضح لإنهاء الحرب في سوريا
ومع تصاعد الأزمات الاقتصادية في المنطقة وبروز مشكلة اللاجئين بشكل أكثر وضوحًا فإن مصر قد تجد نفسها في مواجهة أزمة جديدة مع المجتمع الدولي بسبب مواقفها من القضايا الإنسانية واللاجئين السوريين هذا بالإضافة إلى أن القرار قد يتسبب في زيادة أعداد المهاجرين السوريين غير الشرعيين إلى مصر وهو ما قد يفاقم من الأوضاع الأمنية والاقتصادية في البلاد
تعتبر هذه الخطوة بداية مرحلة جديدة من القيود التي قد تلاحق السوريين في مصر في ظل أزمات مستمرة على الصعيدين السياسي والاقتصادي فهل سيواجه المجتمع السوري في مصر تحديات أكبر من تلك التي مر بها في السنوات السابقة أم أن مصر ستستمر في التعامل مع هذا الملف بشكل أكثر تشددًا مع استمرار الضغط الإقليمي والدولي؟
نسخ الرابط تم نسخ الرابط