ارتبط المواطن المصري بـ“الدورات الرمضانية” ارتباطا يوازي ارتباطه بروحانيات العبادة الشعائرية التى تفيض من هذا الشهر الكريم وطقوسه الفريدة كل عام، فتلك الأنشطة الرياضية تعتبر غذاء الجسد والعقل كما أن التراويح وتلاوة القرآن غذاء الروح.
تمتاز مصر عن غيرها من الدول في السبق بعقد الدورات الرمضانية في الحواضن الرياضية الكبيرة ومراكز الشباب، حيث تكون المتعة والحماس والمنافسة عواملها الأساسية، والهدف من تنظيمها ولا تتعدى الجوائز عن تيشرتات وميداليات وكأس لضعف الإمكانيات.

وكانت الدورات الرمضانية في البدء تقام على الملاعب الترابية في القرى والأحياء، وكان لها رونقها الخاص، لكنها مع مرور الوقت والتطور بدأت تقام على أبرز الملاعب العشبية سواء كانت طبيعية أو صناعية، أو داخل الصالات الرياضية، والتي انتشرت في مصر بكثرة.
وسيلة للتعبير
وعند الحديث عن الدورات الرمضانية، بالنسبة للمصريين فهى بمنزلة النواة الأساسية في مكونات الثقافة المصرية الشعبية؛ وقد تجلّت تلك الثقافة في فيلم الحريف لعلى بدرخان وبطولة عادل إمام، وكيف كانت لعبة الكرة الشراب محل هوس المصريين في الأحياء الشعبية وعقد الدورات بين الفرق على مكاسب مالية إضافة إلى الحشود الكبيرة التى تقف وتشاهد المباريات بحماس وشغف.

لم يجد المصريون أنسب من كرة القدم ليعتبروها أم الفنون، وربما وسيلتهم الوحيدة للتعبير عن أنفسهم، وخلق لغة حوار مشتركة بينهم وبين أنفسهم من ناحية، وبينهم وبين العالم من ناحيةٍ أخرى؛ لهذا السبب بالتحديد نشأت الدورات الرمضانية.
كانت بداية الدورات الرمضانية من قلب شوارع وأحياء القاهرة، وكانت تُلعب بلا قوانين محددة، فالقوانين تحددها كل منطقة كما ترتأي، وبلا وقتٍ محدد، لكنه في الغالب يكون في ساعات الصيام؛ وتمتد هذه المنافسات إلى نهاية شهر رمضان، وتُحدد طريقة سير المنافسة وفقًا لما يتفق عليه الفرق المشاركة، وفي النهاية سيكون هناك فائز لا محالة، سيحصل على هدية رمزية، لكنها كانت تمتلك من قيمة وسحر بالنسبة لهم ما يوازي كأس العالم.

بين التسيس والتلميع
وجد الساسة ورجال الأعمال والأحزاب السياسية مداخل للدورات الرمضانية، فأحدهم يتبنى إحدى الدورات، ويطلق عليه اسمه، مستغلا الأزمات الاقتصادية وضيق حال الموهوبين فينفق عليها، وبالتالي يكون في اليوم الختامي للبطولة حاضرا بين الناس، ويوزع الجوائز، مع أخذ اللقطة واستثمارها بطريقة أو بأخرى، سواء داخل أو خارج معترك السياسة.
وعند ربط كرة القدم بالسياسة، تذهب كرة القدم لما هو أبعد بكثير من الرياضة، لدرجة أنه أصبح يربط بينها وبين الحياة العامّة السياسيّة والاقتصاديّة لبلدان معيّنة، ولم يقتصر ذلك على تشكيل الهويّة السياسيّة للرأي العامّ للمشجّعين.

وهنا بالتحديد كان السبب وراء تراجع شعبيّة الدورات الرمضانيّة في العقد الأخير، فمع محاولة ربطها بالسياسة، ومع نفور الناس من الأحداث السياسيّة مؤخّرًا، نفر الناس من الدورات الرمضانيّة ذات النكهة السياسيّة.

هذا بالإضافة إلى التراجع الّتي تشهده جودة الكرة المصريّة في العقد الأخير، فبعدما كانت هذه الدورات الرمضانية بمثابة فرصة ذهبيّة لظهور المواهب في المناطق الشعبيّة، حوّلت الأندية وجهتها نحو ناشئي الأكادميّات، وبرامج المواهب الرياضيّة وخفت أهم ما في تلك الأنشطة وهي روح البساطة والعفوية والتفاعل الاجتماعي المشجع والتعاون في التخطيط والتجهيز للدورة لتظهر في أحسن صورة رياضية.
نسخ الرابط تم نسخ الرابط