أخبار عاجلة

رمضان الحرية في سوريا: فرحة الأمل تغمر مدنًا وفرحة التحرر تصطدم بالأزمات الاقتصادية

شهر رمضان هذا العام في سوريا الجديدة، تعيش البلاد أجواء من التغيرات الكبيرة بعد سنوات من القمع والاستبداد.

تتداخل الفرحة بالتحرر مع واقع اقتصادي ومعيشي صعب، مما أثار جدلًا واسعًا بين المواطنين والمختصين والمهتمين حول ما إذا كانت سوريا الجديدة بالفعل تتجه نحو مستقبل أفضل.

أشار المهندس المدني فادي مصطفى، المقيم في دمشق، إلى أن الأجواء الرمضانية هذا العام تشعره بفرحة لم يختبرها منذ فترة طويلة.

وأضاف: “سقوط النظام أحدث تغييرًا هائلًا في حياة الناس. الشوارع باتت مفعمة بالحياة والاحتفالات، ورؤية المساجد تعج بالمصلين يعطيني شعورًا بالأمان لم نكن نحظى به في السنوات الماضية. ولكن مع كل هذا التفاؤل، لا يمكن تجاهل الأزمات الاقتصادية التي نعاني منها. المواد الغذائية الأساسية أصبحت باهظة الثمن، ورغم التحرر من قبضة النظام، نشعر بأن الأزمات لم تنتهِ بعد.”

أكد الناشط الحقوقي طارق الشامي، الذي عاد مؤخرًا إلى سوريا من منفاه في أوروبا، أن الحرية التي تشهدها البلاد هي مجرد بداية لتحولات أكثر أهمية.

وقال: “لقد عانينا لسنوات من القمع، وكانت المخابرات في كل مكان، حتى في مساجدنا. اليوم، نشعر بأننا قادرون على ممارسة شعائرنا الدينية بحرية، ولكن التحدي الأكبر هو إعادة بناء البلد. الحرية لا تعني فقط التخلص من النظام، بل أيضًا القدرة على إعادة بناء مؤسسات قوية تكون في خدمة المواطن، وهذا ما لا نزال بعيدين عنه.”

أوضحت أم أحمد الكردي، التي تعيش في مخيمات النزوح في إدلب، أن رمضان هذا العام لا يختلف كثيرًا عن سابقه بالنسبة للنازحين.

“نحن هنا في المخيمات ما زلنا نعيش معاناة مستمرة. صحيح أن النظام سقط، لكننا لم نرَ بعد أي تحسن في حياتنا اليومية. المساعدات قليلة، والأسعار مرتفعة. لا نعلم متى سنعود إلى منازلنا، وإن كان بإمكاننا أصلاً العودة. رمضان بالنسبة لنا ليس كما هو في المدن، بل هو شهر يعيد تذكيرنا بمآسينا.”

أشار الباحث الاقتصادي باسل الحسن إلى أن التحديات الاقتصادية ستظل حاضرة لفترة طويلة حتى بعد سقوط النظام.

وأضاف: “سوريا تعاني من انهيار اقتصادي غير مسبوق. ارتفاع أسعار المواد الغذائية ونقص الإمدادات هو نتيجة طبيعية للحرب الطويلة. رمضان هذا العام يعكس فرحة مؤقتة في ظل هذه الأوضاع، وإذا لم تتخذ الحكومة الانتقالية إجراءات عاجلة لإعادة الاستقرار الاقتصادي، فإن هذه الفرحة قد تتحول إلى خيبة أمل واسعة.”

من جانبه، أشار التاجر خالد مرعي في سوق البزورية بدمشق إلى أن الحركة التجارية بدأت تنتعش قليلاً مقارنةً بالسنوات الماضية،

لكنه أكد أن “العوائق الاقتصادية ما زالت تلاحقنا. ارتفاع أسعار السلع، خاصةً المواد الغذائية، يجعل من الصعب على المواطنين توفير احتياجاتهم الرمضانية. زبائني يتحدثون يوميًا عن ارتفاع الأسعار، ولاحظت أن قدرتهم الشرائية تراجعت بشكل كبير. الحرية التي نعيشها حاليًا أمر جميل، لكنها لن تكون كافية إذا لم تتحسن الظروف الاقتصادية.”

أوضح المحامي معتز إبراهيم أن الفترة الانتقالية التي تعيشها سوريا بعد سقوط النظام تثير جدلًا واسعًا حول العدالة والمحاسبة.

وقال: “الكثيرون يطالبون بمحاسبة المتورطين في الجرائم التي ارتُكبت خلال سنوات الحرب. مع قدوم رمضان هذا العام، يعمّ السلام في المدن، لكن العدالة لم تُحقق بعد. هذه النقطة بالذات تُشعل النقاش بين الناس، لأنهم يرون أن سقوط النظام ليس كافيًا، بل يجب محاسبة كل من تورط في انتهاكات حقوق الإنسان.”

أشارت المعلمة مها نعسان، المقيمة في مدينة حلب، إلى أن أجواء رمضان أعادت إليها الذكريات الجميلة، لكنها تظل قلقة بشأن مستقبل التعليم في البلاد.

“المدارس ما زالت تفتقر إلى الكثير من الموارد، ولا نعلم كيف سيكون العام الدراسي المقبل. صحيح أن هناك أملًا بتحسن الأوضاع، ولكنني كمعلمة أرى أن التحدي الأكبر هو إعادة بناء النظام التعليمي وتوفير فرص تعليمية لجميع الأطفال السوريين.”

أكد الطبيب رامز العلي، الذي يعمل في أحد المستشفيات الميدانية في ريف حلب، أن الأوضاع الصحية في المناطق المحررة لا تزال صعبة.

“رغم التحرر من قمع النظام، فإن القطاع الصحي يعاني من نقص في الأدوية والمستلزمات الطبية. مع دخول شهر رمضان، نواجه تحديات أكبر في تلبية احتياجات المرضى، خاصة مع ارتفاع درجات الحرارة ونقص المياه النظيفة في المخيمات والمناطق النائية.”

أشار الفنان التشكيلي ماهر الحايك إلى أن رمضان هذا العام يشكل فرصة لاستعادة الثقافة والتراث السوري.

“الفنون كانت دائمًا وسيلة لتوثيق المعاناة والأمل في آن واحد. في رمضان الحالي، لاحظت ازدياد الاهتمام بالفنون التقليدية مثل الرسم والخط العربي. الناس بحاجة إلى التعبير عن فرحتهم بتحررهم، والفن يشكل مساحة للتعبير الحر بعد سنوات من القمع.”

أشار الصحفي عماد غانم إلى أن وسائل الإعلام المحلية تلعب دورًا مهمًا في توثيق التحولات الجارية في سوريا، لكنه شدد على أن الإعلام ما زال يواجه تحديات كبيرة.

“سقوط النظام أتاح للإعلاميين مساحة أكبر للتعبير، ولكننا ما زلنا نواجه ضغوطًا من أطراف متعددة. يجب أن يكون الإعلام في سوريا الجديدة حرًا ومستقلًا، وهذا يتطلب إصلاحات قانونية واسعة تحمي الصحفيين وتعزز حرية التعبير.”

من جهته، قال الطالب الجامعي أحمد دياب، الذي يدرس في جامعة دمشق، إن الأجواء الجامعية في رمضان هذا العام تعكس تغيرًا إيجابيًا.

“كان علينا دائمًا الحذر من التعبير عن آرائنا في الجامعة، لكن الآن أصبح النقاش أكثر حرية. نأمل أن يشهد التعليم العالي في سوريا تطورًا ملحوظًا، لأن الجامعات كانت متأثرة بشكل كبير بالفساد والمحسوبية. نحن جيل الشباب، ونعول على أنفسنا لبناء سوريا جديدة قائمة على الكفاءة والمعرفة.”

وأشارت نهى صالح، ربة منزل من حمص، إلى أن العائلات السورية تواجه تحديات كبيرة في تأمين احتياجاتها اليومية خلال شهر رمضان.

“الأسعار مرتفعة للغاية، ويصعب على الأسر توفير ما يكفي لإعداد وجبات الإفطار. الحرية التي نحظى بها الآن تعني الكثير، لكن الأوضاع المعيشية يجب أن تتحسن. لا نريد أن نعيش في حرية فقط، بل نريد أن تكون حياتنا كريمة ومستقرة.”

رمضان هذا العام في سوريا يحمل معه نسائم جديدة من الحرية والأمل، لكنه أيضًا يشعل نقاشات حادة حول المستقبل.

بين الفرح بالتحرر والمخاوف من التحديات الاقتصادية والسياسية، يعيش السوريون لحظات تاريخية تشكل مفترق طرق لمستقبل بلدهم.

التحرر من النظام القديم هو بداية، لكن النجاح في بناء دولة جديدة يعتمد على تجاوز العقبات المتبقية وترسيخ العدالة والاستقرار.

نسخ الرابط تم نسخ الرابط

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق معسكر كرياندنقو في أوغندا: رمضان في المنفى تحت وطأة الجوع والمعاناة
التالى رمضان بين الروحانية والفهم الخاطئ: جدل عالمي حول شهر الصيام والعبادة