في ظل حياة المسلمين المتناثرة في أنحاء البرازيل، يواجه المسلمون تحديات كبيرة خلال شهر رمضان المبارك.
بين غياب الأجواء الرمضانية التي يعرفونها في أوطانهم، وصعوبات التكيف مع المجتمع البرازيلي، يبقى هذا الشهر الفضيل مناسبة للتراحم والتضامن رغم التحديات التي تواجههم في كل زاوية.
أكد محمد محمود، أحد المسلمين المقيمين في سانتو أمارو، جنوب ساو باولو، أن الأجواء الرمضانية في هذه المنطقة أفضل بكثير من المناطق الأخرى في البرازيل، وذلك بسبب وجود مسجد الرحمة والجالية الإسلامية النشطة.
وأوضح قائلاً: “عندما انتقلت من ميناس جيرايس إلى سانتو أمارو، شعرت بفارق كبير في الأجواء الرمضانية. هنا، أستطيع حضور صلاة التراويح والبقاء مع العائلة بعد صلاة العشاء، وهو ما كان مستحيلاً في مكان إقامتي السابق. ولكن، مع ذلك، ما زلنا نفتقد الاحتضان الرسمي لشهر رمضان وللأعياد الإسلامية عمومًا”.
من جهته، أشار أحمد عبد الرحمن، المقيم في بارويري شمال غرب ساو باولو، إلى أن المسلمين في البرازيل يواجهون تحديات كبيرة خلال شهر رمضان نتيجة غياب الاعتراف الرسمي بالأعياد والمناسبات الإسلامية.
وقال: “التقويم الرسمي البرازيلي يمر مرور الكرام على مناسباتنا الدينية، بما في ذلك رمضان. نحن مضطرون للعمل والدراسة بشكل طبيعي خلال هذا الشهر، ولا يوجد أي استثناءات أو تسهيلات للمسلمين، على الرغم من أن الدستور البرازيلي يكفل لنا حرية العبادة”.
وأوضح سامي حسين، وهو باحث في الشؤون الدينية ومهتم بدراسة أوضاع المسلمين في المهجر، أن قلة عدد المسلمين في البرازيل هو أحد الأسباب الرئيسية وراء عدم الاعتراف الرسمي بشعائرهم الدينية.
وأضاف: “نحن نواجه صعوبات قانونية وإدارية فيما يتعلق بالحصول على إجازات رسمية في الأعياد الإسلامية، أو حتى تخصيص أماكن للصلاة في المؤسسات العامة. وربما يكون السبب هو أن المسلمين أقلية صغيرة في بلاد يتجاوز عدد سكانها 210 ملايين نسمة”.
كما أكد يوسف مصطفى، وهو والد لطفلين يعيشان في ساو باولو، أن من أكبر التحديات التي تواجه المسلمين في البرازيل هو تعليم أبنائهم اللغة العربية وتربيتهم على مبادئ الإسلام.
وأوضح: “لدينا مشكلة كبيرة في تعليم أطفالنا اللغة العربية وتعريفهم بعاداتنا وتقاليدنا الإسلامية. المدارس الإسلامية قليلة جدًا، ولا توفر التعليم الكامل الذي نحتاجه لأبنائنا. حتى في ساو باولو، التي تضم أكبر تجمع للمسلمين، لا توجد سوى ثلاث مدارس إسلامية، ولا تصل أي منها إلى المرحلة الثانوية”.
من جهتها، أشارت فاطمة محمود، وهي ناشطة في العمل المجتمعي بمدينة ساو باولو، إلى أن المسلمين في البرازيل يعانون من غياب الأجواء الرمضانية المعتادة.
وأضافت: “في البرازيل، لا نشعر بتلك الأجواء الروحانية التي تسيطر على شهر رمضان في الدول الإسلامية. في الكثير من المدن والأحياء، لا وجود للمساجد أو الجمعيات الإسلامية، وهذا يعمق الشعور بالغربة والتهميش”.
وفي سياق متصل، أشار عبد الله حسن، أحد سكان ريو دي جانيرو، إلى أن غياب المساجد في بعض المناطق النائية يشكل تحديًا كبيرًا للمسلمين.
وقال: “هناك مناطق في البرازيل لا يوجد بها مساجد أو حتى جمعيات إسلامية، مما يجعل من الصعب على المسلمين ممارسة شعائرهم الدينية، وخاصة في شهر رمضان”.
وأكدت سلمى أحمد، وهي ربة منزل تعيش في مدينة بيلو هوريزونتي، أن أحد التحديات الرئيسية التي تواجهها في شهر رمضان هو ارتفاع أسعار بعض المنتجات الغذائية الخاصة بالشهر الفضيل.
وقالت: “رغم أن الأسعار في رمضان لا ترتفع كما يحدث في الدول الإسلامية، إلا أن بعض المنتجات الرمضانية الأساسية مثل السمن الحيواني قد تكون نادرة جدًا ومكلفة للغاية. علبة السمن الصغيرة قد تصل إلى 20 دولارًا، وهذا يضع عبئًا ماليًا على الأسر المسلمة”.
من جانبه، أوضح محمود شريف، أحد المقيمين في منطقة ريو دي جانيرو، أن الوصول إلى الطعام الحلال يشكل تحديًا كبيرًا للمسلمين في بعض المناطق النائية.
وأضاف: “في المدن الكبرى مثل ساو باولو وريو دي جانيرو، يمكنك العثور على أسواق ومطاعم متخصصة في بيع المنتجات الحلال، لكن في المناطق النائية، لا يزال من الصعب جدًا العثور على هذه المنتجات، مما يجبرنا على التكيف مع ما هو متاح في البيئة المحلية”.
أشارت هند السيد، وهي ناشطة إسلامية في البرازيل وتعمل على تنظيم الإفطارات الرمضانية، إلى أن هناك جهودًا من بعض الجمعيات الإسلامية لتعزيز الأجواء الرمضانية في البرازيل.
وقالت: “بدأنا نلاحظ ازدياد النشاطات الاجتماعية خلال شهر رمضان، سواء على مستوى العائلات أو الجمعيات الإسلامية. الإفطارات الجماعية أصبحت مناسبة لتقوية الروابط بين أفراد الجالية المسلمة، وأيضًا فرصة لتعريف المجتمع البرازيلي بثقافة الصيام”.
كما أكد مصطفى علي، أحد المسلمين المقيمين في ساو باولو، أن شهر رمضان هو فرصة لتعزيز الروح التراحمية والتضامنية بين المسلمين والمجتمع البرازيلي.
وقال: “خلال شهر رمضان، يتم تنظيم دورات لتعليم القرآن الكريم للمسلمين الجدد وأطفال الجالية، كما يتم تنظيم فعاليات تعريفية بالإسلام، مثل تقديم الإفطار للصائمين من غير المسلمين لتعريفهم بتقاليد الصيام الإسلامية”.
وأشارت سلوى نصر، وهي أم لأربعة أطفال تعيش في ساو باولو، إلى أن رمضان في البرازيل يفتقر إلى الروحانية التي تشعر بها في البلدان الإسلامية.
وقالت: “رغم الحرية التي نتمتع بها هنا في ممارسة شعائرنا الدينية، إلا أن الأجواء العامة لا تعكس روحانية الشهر الفضيل. نفتقد الأجواء العائلية والاجتماعية التي تصاحب رمضان في دولنا الأصلية”.
وفي الختام، أكد خالد زيدان، وهو ناشط إسلامي في البرازيل، أن الحرية الدينية في البرازيل تظل من أكبر المكاسب التي يتمتع بها المسلمون.
وقال: “البرازيل من أكثر الدول التي تضمن حقوق الأقليات الدينية، بما في ذلك المسلمين. ورغم الصعوبات التي نواجهها، إلا أن حرية العبادة مصانة ومكفولة بنص الدستور، وهذا ما يسهل علينا إقامة شعائرنا الرمضانية في كافة أرجاء البلاد”.
تتنوع مشاهد حياة المسلمين في البرازيل خلال شهر رمضان، من التحديات التي تواجههم في غياب الأجواء الرمضانية المعتادة وصعوبة التكيف مع البيئة المحلية، إلى العقبات القانونية والاقتصادية التي تزيد من تعقيد حياتهم. ومع كل هذه التحديات، تبقى الجالية الإسلامية محافظة على جوهر وقيم هذا الشهر الفضيل.
وبينما تستمر الجالية الإسلامية في البرازيل في مواجهة هذه التحديات، يبقى الأمل حاضرًا في تحقيق مزيد من التقارب والتفاهم مع المجتمع البرازيلي بتعزيز روح التراحم والتضامن، حيث تسعى الجالية إلى الحفاظ على هويتها الدينية، آملة في خلق مساحة أكبر للتفاهم والاندماج مع المجتمع البرازيلي المتنوع.
نسخ الرابط تم نسخ الرابط