أشارت موجة من الغضب الجماهيري العارم إلى رفض واسع لتفاقم الأسعار في المغرب، حيث دخل المغاربة شهر رمضان وسط أزمة غلاء شملت العديد من المواد الغذائية الأساسية التي تستهلكها الأسر خلال هذا الشهر الفضيل.
هذه الزيادات الحادة أثقلت كاهل المواطنين، في وقت يتزايد فيه استهلاك الطعام في رمضان بشكل ملحوظ مقارنة بباقي الشهور.
المغاربة، الذين يعيشون أجواء رمضانية مميزة تتطلب تحضيرات استثنائية، وجدوا أنفسهم هذا العام في مواجهة “تسونامي الأسعار” الذي يضرب كل جوانب مائدتهم.
من اللحوم إلى الخضروات مرورًا بالأسماك والحلويات، ارتفعت الأسعار إلى مستويات غير مسبوقة، مما أثار نقاشات حادة حول الأسباب والتداعيات، ودفع الكثيرين إلى التعبير عن غضبهم وقلقهم من المستقبل.
تأثير كارثي على الأسر المغربية
أوضح عبدالرحيم العلوي، رب أسرة مقيم في الرباط، أن تكاليف المواد الغذائية الرمضانية هذا العام وصلت إلى مستوى كارثي.
وأضاف قائلاً: “أنا عامل في شركة نقل ولا يتجاوز راتبي 6000 درهم، ولم أعد قادراً على شراء الحاجيات الأساسية للأسرة خلال هذا الشهر الفضيل. عادة ما أشتري مستلزمات رمضان مقدماً تجنباً للغلاء، ولكن هذا العام حتى قبل بداية رمضان كانت الأسعار قد تجاوزت كل توقعاتي”.
وتابع عبدالرحيم: “اضطررت إلى تغيير عاداتنا الغذائية والتخلي عن بعض الأصناف التي كانت تزين مائدتنا، لكنني أحاول بكل جهد أن أحافظ على الأجواء الرمضانية كما تعودنا”.
ارتفاع جنوني للأسعار وتضرر كبير للفقراء
أكدت فاطمة الزهراء السلمي، ربة بيت من القنيطرة، أن الارتفاع الجنوني في الأسعار ألحق ضررًا بالغًا بالفقراء والطبقة المتوسطة.
وقالت: “لم يعد بالإمكان تحضير مائدة إفطار غنية كما كان الحال في السابق. اللحوم والأسماك أصبحت بأسعار خيالية، ولا أدري كيف يمكننا تحمل هذه التكاليف طوال الشهر”.
وأشارت فاطمة إلى أن الميزانية الشهرية التي خصصتها للتغذية خلال رمضان تضاعفت، مؤكدة أن هذا الوضع غير مقبول ويحتاج إلى تدخل فوري من السلطات.
تخلي الحكومة عن مسؤوليتها
من جهته، أشار محمد بنشريف، ناشط اجتماعي ومهتم بالشؤون الاقتصادية، إلى أن الحكومة لم تقم بما يكفي للتصدي لأزمة الغلاء.
وقال: “الأسعار لم ترتفع فجأة؛ بل كانت تتزايد تدريجياً منذ نهاية عام 2022، والحكومة لم تتخذ أي إجراءات فعالة للحد من هذه الظاهرة.
في ظل التضخم الذي بلغ 2.4% عام 2024، مقابل 6.1% في 2023، كانت الأوضاع قد تحسنت نوعاً ما، لكن مع اقتراب رمضان، شهدنا موجة جديدة من الارتفاعات التي أرهقت المواطنين”. وأكد بنشريف أن “التقاعس الحكومي يُعد خذلاناً صريحاً للمواطنين”.
مائدة رمضان لم تعد كما كانت
هند الفيلالي، مواطنة من الدار البيضاء، تحدثت عن تأثير الغلاء على المائدة الرمضانية التقليدية، قائلة: “أصبحت أشعر بالعجز عندما أقف أمام الباعة، فكل شيء غالٍ جداً.
لقد اضطررت إلى تقليص قائمة الأطعمة الرمضانية المعتادة. حلوى الشباكية، حساء الحريرة، وحتى العصائر الطبيعية، أصبحت تكلفة إعدادها تفوق طاقتي”.
وأوضحت هند أن “رمضان هو شهر البركة والاحتفال العائلي، لكن الأسعار المرتفعة جعلتنا نفقد جزءًا كبيرًا من هذه الفرحة”.
القطاع الزراعي والصيد البحري في مرمى الانتقادات
وفي تصريح آخر، أشار ياسين الطاهري، خبير اقتصادي ومختص في الزراعة، إلى أن جزءًا من مشكلة الأسعار يعود إلى الاختلالات التي يشهدها القطاع الزراعي والصيد البحري.
وأوضح الطاهري: “نقص الإنتاج وزيادة تكلفة النقل وأسعار الطاقة أثر بشكل مباشر على أسعار السلع الأساسية، مثل الأسماك واللحوم والخضروات. هذه القطاعات تحتاج إلى إصلاحات جذرية لضمان استقرار الأسعار في المستقبل”.
دور البقالة والأسواق الكبرى
وأكد رشيد المنصوري، صاحب بقالة صغيرة في مراكش، أن الأسعار المفروضة على التجار أنفسهم ارتفعت بشكل كبير هذا العام، مما أجبرهم على رفع الأسعار أمام الزبائن.
وأضاف: “ليس لدينا خيار آخر. نحن نعاني من ارتفاع الأسعار من الموردين، ونحاول أن نقلل الربح حفاظاً على زبائننا، لكن هناك حدود لا يمكننا تجاوزها”.
وأشار رشيد إلى أن الأسواق الكبرى تساهم أيضًا في رفع الأسعار، حيث تسيطر على جزء كبير من التوزيع وتفرض أسعارًا عالية على المنتجات.
الغلاء يدفع الشباب للتقشف
عبد الله الطيب، شاب من واد زم، أشار إلى أن الشباب باتوا مضطرين لتقليص استهلاكهم خلال رمضان بسبب الغلاء.
وقال: “نحن كشباب نحاول قدر الإمكان التخفيف من نفقاتنا، ولكن عندما يرتفع سعر كل شيء، من الطعام إلى المواصلات، يصبح من المستحيل تقريباً العيش بشكل طبيعي خلال رمضان”. وأضاف عبد الله أن “هذا الوضع يدفع الكثيرين للتقشف والتخلي عن العديد من العادات الرمضانية”.
الأسعار تضرب الأسر ذات الدخل المحدود
وأوضحت نادية بوزيد، أم لثلاثة أطفال تعيش في كلميم، أن الغلاء بات يشكل تهديدًا مباشرًا لاستقرار الأسر ذات الدخل المحدود.
وقالت نادية: “أنا وزوجي نعمل بجهد كبير لتأمين لقمة العيش لأطفالنا، لكن مع ارتفاع الأسعار، أصبح من الصعب تلبية احتياجاتنا الأساسية في رمضان. كنا ننتظر هذا الشهر بفارغ الصبر، لكن يبدو أن هذا العام سيكون مختلفًا”.
المواطنون يطالبون بمراقبة الأسعار
في المقابل، دعا عبد المجيد الوردي، ناشط حقوقي في آيت باها، إلى ضرورة تدخل الدولة لمراقبة الأسعار والحد من استغلال التجار.
وأوضح عبد المجيد: “لا يمكن أن تستمر هذه الفوضى في الأسعار دون تدخل قوي من السلطات. نحتاج إلى قوانين تحمي المستهلكين من الاحتكار والجشع”. وأكد أن “التجار يستغلون ارتفاع الطلب في رمضان لرفع الأسعار بشكل غير منطقي”.
الأزمة الاقتصادية العامة
وأشار سعيد الإدريسي، أستاذ الاقتصاد في إحدي الجامعات، إلى أن الغلاء الحالي هو جزء من أزمة اقتصادية أكبر تعيشها البلاد.
وقال: “ارتفاع الأسعار في رمضان هو مجرد انعكاس للأزمة الاقتصادية التي يعاني منها المغرب، بدءًا من ارتفاع تكلفة الطاقة وانتهاءً بتراجع قيمة العملة المحلية.
لا يمكن فصل هذه العوامل عن بعضها، ويجب على الحكومة وضع استراتيجيات طويلة الأمد لمعالجة هذه الأزمات”.
تراجع الدعم الحكومي
وأضاف خالد الرامي، مهتم بالشؤون السياسية والاجتماعية، أن تراجع الدعم الحكومي للقطاعات الحيوية هو ما فاقم من الأزمة.
وقال: “في السابق، كانت هناك تدخلات حكومية لحماية الأسر من موجات الغلاء، لكن مع تقليص الدعم والزيادات المستمرة في الضرائب، لم يعد المواطن المغربي يجد من يساعده في مواجهة هذا الوضع”. وأشار خالد إلى أن “المغاربة يشعرون بأنهم تُركوا وحدهم في مواجهة هذه الأزمة”.
ضرورة التضامن المجتمعي
وأشارت سعاد البحري، ناشطة في مجال العمل الخيري، إلى أن التضامن المجتمعي قد يكون الحل الوحيد في ظل هذا الغلاء.
وقالت سعاد: “علينا أن نتكاتف كأفراد ومؤسسات لمساعدة الأسر المحتاجة خلال هذا الشهر الفضيل. الجمعيات الخيرية تلعب دورًا مهمًا في توزيع المواد الغذائية، ولكننا نحتاج إلى مزيد من الدعم من الجميع”.
يتضح أن “تسونامي الأسعار” الذي ضرب المغرب قد أثار غضبًا جماهيريًا واسعًا، حيث تعالت أصوات المواطنين والمختصين على حد سواء، مطالبين بالتدخل العاجل من الحكومة لضبط الأسعار وإعادة التوازن للأسواق.
ورغم أن الأزمة الاقتصادية تلقي بظلالها على مختلف جوانب الحياة في المغرب، إلا أن الغلاء في شهر رمضان يشكل تحديًا خاصًا، كونه يهدد قيم التضامن والتكافل الاجتماعي التي يتميز بها هذا الشهر المبارك.
نسخ الرابط تم نسخ الرابط