أخبار عاجلة

د.أيمن نور يكتب: الشرق.. حب لا يُشترى لمصر التي لا تُباع


كل عام وأنتم بخير.. وكل عام و”الشرق” أشد التصاقًا بحب مصر، وأعمق فهمًا لمعاني هذا الحب، وأكثر التزامًا بواجبه تجاهها، وطنًا وقضيةً، تاريخًا ومستقبلًا، حلمًا وحقًا.
الحب ليس كلماتٍ تُقال، ولا شعاراتٍ تُرفع، ولا قصائدَ تُلقى في المناسبات. الحب موقفٌ يُتخذ، ورسالةٌ تُحمَل، وأمانةٌ تُؤدَّى. وإن كان السؤال الذي يتردد في الذكرى الحادية عشرة لانطلاقة “الشرق” هو: كيف تحب “الشرق” مصر؟ فالإجابة تأتي واضحةً، صريحةً، لا تعرف المراوغة، ولا تقبل الالتواء.
مصر ليست في حاجةٍ إلى مزيدٍ من قصائد الغزل، ولا إلى أغنيات العشق. مصر تحتاج إلى حبٍ حقيقي، يُثبت نفسه بالفعل قبل القول، بالحق قبل الشعر، بالمواقف قبل الألحان. حب “الشرق” لمصر ليس في التغني بأمجادها، بل في الوقوف إلى جانبها حين تتعثر، وليس في التفاخر بتاريخها، بل في الإيمان بأن مستقبلها يستحق أكثر.
نحب مصر بأن نكون صوتها الصادق، لا صداها المزيَّف، لا نميل حيث تميل الريح، ولا نزيف الحقيقة لإرضاء جمهور، ولا نكتم شهادةً خشيةَ سلطان. لا نهادن فسادًا، ولا نصمت على ظلم، ولا نساير الباطل، ولا نُسقط الحق حتى لا يزعج أصحاب النفوذ.

إذا رأينا حاكمًا يظلم، شعرنا أن يدًا تخنق واحدًا منا، وإذا رأينا يدًا تعبث بمال الوطن، انتفضنا كأنها تمتد إلى جيوبنا، فالوطن ليس ملكًا لحاكم، ولا مزرعةً لفئة، ولا تركةً تُورَّث. الوطن حياةٌ تُعاش، ومسؤوليةٌ تُحمَل، وأمانةٌ لا تُباع.
نحب مصر بأن نحترم عقلها، ونخاطب وعيها، لا غرائزها.
لسنا هنا لنُشعل الكراهية، أو لنُذكي الأحقاد، أو لنُقسم الناس إلى معسكراتٍ متناحرة. لسنا هنا لنجعل الإعلام سلاحًا يشق الوطن نصفين، ولا منصةً تَحرِم العقل من حقه في التفكير. الإعلام رسالةٌ، وليس معركةً تُدار بمنطق الغنيمة. “الشرق” لم تكن يومًا بوقًا، ولن تكون. لم تكن يومًا رهينةً لجمهور، ولن تسمح بذلك. لم تكن يومًا صوتًا يبحث عن التصفيق، بل كلمةً تبحث عن الحق.
نحب مصر بأن ندرك ماذا تحتاج منا اليوم.
هل تحتاج إلى إعلامٍ يُشعل الحرائق، ويَقسِم الصفوف، ويَحرِم الوطن من فرصته في التوحد؟ أم تحتاج إلى إعلامٍ حر، مستقل، مسؤول، يفتح الأفق بدلًا من أن يضيقه، ويرى في الاختلاف فرصةً للإثراء، لا مبررًا للعداء؟
نحب مصر بأن نحترم قيمها، ونصون أخلاقها.
كما نفعل في بيوتنا، وبين أهلنا، نضع على رؤوسنا عمامة ابن حنبل، وعلى يميننا القيم والمبادئ، وعلى يسارنا القوانين والأصول. فلا نقبل أن يخرج من أفواهنا ما نخجل أن نسمعه من أبنائنا، ولا نرضى لأنفسنا الانحدار إلى لغةٍ لا تليق بمن يحمل رسالة الإعلام. فالأمم العظيمة صنعها أحرارٌ عاملون، وأضاعها كسالى خائفون.
نحب مصر بأن نهتم بشؤونها، دون أن نعزلها عن قضايا الأمة.
ما أثبتته الثورات العربية هو أن مصيرنا واحد، وقضيتنا واحدة، وأحلامنا تتلاقى، ومخاوفنا تتشابه، وأعداءنا يتوحدون ضدنا. لهذا، لا يمكن أن يكون حب مصر حبًا انعزاليًا، يضعها في جزيرةٍ منفصلة عن محيطها. مصر كانت دومًا في قلب قضايا الأمة، وستظل.

هكذا تحب “الشرق” مصر: – بأن تكون صوتًا لكل المصريين، لا تُغلق أبوابها في وجه أحدٍ يحترم أدب الحوار، ويؤمن بحق الاختلاف. – بأن تكون صوتًا للأمل، والثورة، والحرية، والعدالة، والكرامة، والحقيقة. – بأن تكون مرآةً للوطن بكل ألوانه، لا انعكاسًا لرأي فئةٍ دون أخرى. – بأن تمتد إلى كل فئات المجتمع، من الحضر إلى الريف، من الشباب إلى الشيوخ، من الشمال إلى الجنوب، لتعكس صورةً صادقةً عن مصر التي نحلم بها.

نحن لا نحرض إلا على الحب.. ولا ندعو إلا إلى الحرية.. ولا نؤمن إلا بالعدالة.. ولا نرفع إلا راية الحوار، وأدب الحوار. لا نحرض على الكراهية، بل نحرص على التآلف. لا نحرض على العنف، بل نحرض على نزع ثقافة الخوف. لا نحرض على الإقصاء، بل نحرص على قبول الآخر. لا نحرض على الفرقة، بل نحرص على التسامح والحب.

اللهم اجعلنا كبارًا يتحملون النقد، ولا تجعلنا صغارًا تضيق صدورهم بالرأي المخالف. اجعلنا قلوبًا تحب وتجمع، ولا تجعلنا نكره ونفرق. اجعلنا نبحث عن الحقيقة، لا أن نزعم احتكارها. اجعلنا نرفع الوطن، لا أن نهدمه بجهلٍ أو عناد. اجعلنا صوتًا للحرية، لا أداةً في يد القمع.

عندما انطلقت قناة الشرق كأول قناة مصرية معارضة، لم تكن مجرد فكرة، بل كانت موقفًا، وكانت رسالةً، وكانت عهدًا أن تبقى صوتًا لا يُشترى، ولا يُسكت، ولا يُحاصر. واليوم، ونحن على مشارف هذه الذكرى، أجدني أوجه كلماتي إلى زملائي وإخواني الإعلاميين في القناة، وإلى كل إعلامي يحمل على عاتقه أمانة الكلمة، ومسؤولية الرأي.
ليس المطلوب من الإعلامي أن يكون سياسيًا، لكنه بالضرورة يجب أن يكون قائدًا للرأي، لا تابعًا له. أن يكون مرآةً للحقيقة، لا انعكاسًا لمزاج الجمهور.

فلا مجد لمن يطارد اللايكات، ولا بقاء لمن يرهن صوته بيد التصفيق. الإعلامي الحقيقي ليس من يتحدث بما يريد الناس سماعه، بل من ينطق بما يجب أن يُقال، ولو كان ذلك مكلفًا. حين يتحول الإعلامي إلى أسيرٍ لتقلبات الشارع، يفقد دوره، ويذوب في زحام الأصوات المتشابهة. ليس المطلوب أن نبحث عن رضا الجميع، بل أن نبحث عن الحقيقة، حتى وإن أغضبت البعض. ليس المطلوب أن نصطف مع موقفٍ لمجرد أن قائله يناقضنا، بل أن نحاكم #الفكرة بذاتها، دون النظر إلى صاحبها. فإنصاف الإعلامي لا يكون بالولاء الأعمى، ولا بالعداء المطلق، بل بأن يقف حيث يجب أن يقف، لا حيث يُطلب منه أن يكون.
خذوا مثلًا: كم منا يرفض ترامب لسياسته المنحازة لإسرائيل، ولنزعته اليمينية المتطرفة؟ بلا شك، كثيرون. لكن، هل يمنعنا هذا من الاتفاق معه حين يتخذ موقفًا يتسق مع قيمنا ومقدساتنا، كرفضه فرض توجهات معينة على المجتمعات؟ هل يُطلب منا أن نعاديه في كل شيء، حتى حين يكون موقفه صحيحًا؟ الإنصاف أن نحكم على القول، لا على القائل، وعلى الفعل، لا على الفاعل.

أذكر أننا في مدرسة فوائد باشا سراج الدين تعلمنا ألا نهاجم مبارك اثناء وجوده في الخارج في زيارة رسمية ولو كانت لأي بلد وكذللك طلب منا عندما سافر مبارك للعلاج فالفارس النبيل لا يضرب خصمه إلا وهو يمتطي جواده ويمسك بسيفه
كما تعلمت في هذه المدرسة السياسية والأخلاقية ألا نهاجم من غادر سلطته أو غادر الحياة
أذكر أيضا عندما دخلت مصر طرفا في حرب الخليج الأولى لتحرير الكويت ، وكان بعضنا (مثل استاذنا الراحل دكتور محمد عصفور )ضد هذه المشاركة دون تشاور وبقرار فردي ، ورغم هذا منع سراج الدين نشر أي هجوم علي السلطة وتحديدا علي قرارها بالمشاركة ، وقال يومها ، لا حساب، ولا عتاب، في لحظات الخطر فهذا حق مؤجل لما بعد اغلاق أبواب الحرب وعوده قواتنا لثكناتها سالمه.
أذكر أيضا عندما تعرض موكب مبارك لهجوم مسلح في أديس أبابا ، وطلب مني الدكتور فتحي سرور المشاركة في زيارة للرئيس فور عودته لبلده، فعرضت الأمر على فؤاد باشا فتعجب من سؤالي وتخوفاتي وطلب مني الذهاب فورا للقاء وتقديم التهنئة للرئيس باسم الوفد لسلامة عودته لوطنه.
فلم يساير الوفد يوما في زمن النحاس باشا
،وقبله سعد زغلول، وبعده سراج الدين، المشاعر الرائجة، ولم يتاجر يوما بها، او يتربح سياسيا منها أو يغلبها علي المبادئ، و مصالح الوطن العليا ،حتي لو فقد بسببها بعضا من شعبيته ،التي سرعان ما كان يستردها باكتشاف الناس حقيقه مواقفه وبواعثها كما حدث في حادثه ٤فبراير وغيرها..
زملائي وإخواني في قناة الشرق، رسالتي لكم ، ولكل من يعمل في الإعلام المصري والعربي، سواء في الداخل أو الخارج، لا تجعلوا كلماتكم رهينة لمزاج المتابعين، ولا تبحثوا عن حقيقتكم في مؤشرات التفاعل.
النجاح ليس في أن تكون ( ظاهريا) محبوبًا،
بل في أن تكون صادقًا. متسقا مع نفسك وحقيقتك، فلا ترهنوا أصواتكم، لصورة في اذهانكم، ولا تخافوا أن تكونوا وحدكم. ففي النهاية، لا يبقى إلا ما كان حقيقيا و صادقًا.
يا رب احفظ توازن عقولنا ونفوسنا أمام لحظا تتحول فيها الأكاذيب أمام عينيك إلى حقائق , ويصير التاريخ قواداً ويتحول المهرج إلى سلطان. والمتسفل الي بطل من ورق ملون
شكرا
زميلاتي
وزملائي
اضبطوا ساعاتكم.. بعد أيامٍ من الآن، وفي رحاب رمضان تنطلق موجةٌ في حب مصر.. مع العام الحادي عشر..
شاهدونا.. بل، شاركونا!

نسخ الرابط تم نسخ الرابط

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق الملك عبدالله الثاني يستقبل الرئيس السوري أحمد الشرع في زيارة رسمية هي الأولى منذ توليه منصبه
التالى  أنور الهواري يكتب : الخروج من الحذر القاتل