أخبار عاجلة
رياضة : رئيس بنما: سأتحدث مع ترامب مساء الجمعة -

د.سمير الوسيمي يكتب: دور الحوكمة في إصلاح وتطوير الجهاز الحكومي

تُعدُّ الحوكمة ركيزة أساسية في تحقيق الإصلاح والتطوير داخل الأجهزة الحكومية للدول، إذ تعمل على تعزيز مبادئ الشفافية، والمساءلة، والمشاركة المجتمعية، والرقابة، والنزاهة، وسيادة القانون، والكفاءة والفعالية، وتحقيق التكامل بين الجهات الحكومية المختلفة. وفي ظل التحديات المعاصرة التي تواجه الحكومات، من الضروري تبني نماذج حوكمة حديثة تضمن كفاءة الأداء وفاعلية اتخاذ القرار. وأود أن أتناول فيما يلي مقالاً دقيقاً حول دور الحوكمة في إصلاح وتطوير الجهاز الحكومي للدول.

مفهوم الحوكمة في السياق الحكومي:

ويشير مفهوم الحوكمة في السياق الحكومي (العام) إلى مجموعة المبادئ والإجراءات التي تنظم العلاقة بين الجهات الحكومية والمواطنين، وتشمل:

  • الشفافية: نشر المعلومات والقرارات بصورة واضحة لتقليل الفساد وزيادة الثقة.
  • المساءلة: تحميل المسؤولين نتائج سياساتهم وقراراتهم أمام المجتمع.
  • المشاركة: إشراك المواطنين والجهات ذات العلاقة في عملية اتخاذ القرار.
  • العدالة: ضمان توزيع الفرص والخدمات بشكل عادل ومتساوٍ.
  • النزاهة: الالتزام بالقيم الأخلاقية والشفافية في جميع الإجراءات والقرارات الحكومية، مما يساهم في تقليل الفساد وتعزيز الثقة بين المواطن والمؤسسات.
  • الكفاءة والفعالية: العمل على تحقيق النتائج المرجوة بأقل تكلفة وجهد ممكنين، مع تحسين جودة الخدمات المقدمة، لضمان الاستخدام الأمثل للموارد وتحقيق الأهداف بكفاءة.
  • سيادة القانون: تطبيق القوانين والأنظمة بصرامة وعدالة على الجميع دون استثناء، مما يعزز الاستقرار القانوني ويوفر بيئة آمنة ومستقرة للتنمية المؤسسية.
  • الرؤية الاستراتيجية: القدرة على تحديد الأهداف بعيدة المدى ووضع خطط متكاملة تأخذ في الاعتبار التطورات المستقبلية، مما يتيح للجهاز الحكومي التكيف مع التغيرات وتطوير السياسات بما يتماشى مع احتياجات المجتمع.

كما يتجاوز مفهوم الحوكمة حدود مجرد تطبيق القواعد والإجراءات، ليشمل تعزيز ثقافة الإصلاح والتجديد داخل الهياكل الحكومية بما يواكب التطورات التكنولوجية والاجتماعية، وتسهم هذه المبادئ في بناء نظام حوكمة متكامل يضمن إصلاح وتطوير الجهاز الحكومي، ويعزز من الشفافية والعدالة والكفاءة، مما يؤدي إلى تحقيق التنمية المستدامة والثقة المجتمعية.

دور الحوكمة في إصلاح الجهاز الحكومي:

وتلعب الحوكمة دوراً بارزاً في إصلاح الجهاز الحكومي، وبخاصة على مستوى تعزيز الشفافية والمساءلة الذين يمثلان دورًا رئيسيًا في مكافحة الفساد الإداري وتعزيز ثقة المواطنين في مؤسسات الدولة. فمن خلال نشر البيانات والقرارات، يتمكن المواطنون من متابعة الأداء الحكومي والتأكد من مدى التزام المسؤولين بتطبيق السياسات والإجراءات بشكل عادل، كما وتساهم آليات المساءلة في فرض الرقابة الداخلية والخارجية على الأداء الحكومي، مما يؤدي إلى: تحسين إدارة الموارد باستخدام آليات المراقبة والتقييم المستمر حيث يمكن تحقيق استغلال أمثل للموارد المالية والبشرية. ويؤدي كذلك إلى رفع مستوى الثقة المجتمعية والتي من خلالها يشعر المواطنون بأنهم شركاء في صنع القرار، مما يعزز الاستقرار الاجتماعي والسياسي.

كما تسهم الحوكمة بقوة في تحديث نماذج اتخاذ القرار في إطار الإصلاح الحكومي، حيث تُسهم الحوكمة في تبني نماذج حديثة لاتخاذ القرار تقوم على استخدام التكنولوجيا الرقمية مثل الحكومة الإلكترونية التي تُسهّل تقديم الخدمات وتبسط الإجراءات البيروقراطية. وكذلك تقوم على اللامركزية عبر نقل بعض الصلاحيات إلى الجهات المحلية لتعزيز سرعة الاستجابة والتكيف مع الاحتياجات المحلية. إضافة إلى المشاركة المجتمعية من خلال إشراك خبراء القطاع الخاص والمجتمع المدني في وضع السياسات والمشاريع التنموية، مما يضمن توافقها مع مصالح المجتمع.

كذلك تؤدي الحوكمة إلى تحسين الأداء والفعالية المؤسسية من خلال تبني ممارسات الحوكمة الجيدة (الرشيدة)، يمكن تحقيق تحسينات ملموسة في الأداء الحكومي عبر تبني مؤشرات الأداء الرئيسية (KPIs) لقياس نجاح السياسات والمبادرات الحكومية وتحديد نقاط الضعف. وكذلك من خلال إعادة هيكلة الإجراءات الإدارية لتقليل التعقيدات وتحسين سرعة تنفيذ المشاريع الحكومية. إضافة إلى التوجه لمفهوم تطوير القدرات البشرية عبر برامج التدريب والتأهيل المستمر للمسؤولين والموظفين في الجهات الحكومية.

دور الحوكمة في تطوير الجهاز الحكومي:

والأمر تجاه الحوكمة لا يتوقف فقط على عملية الإصلاح، ولكنه يتطرق إلى مفهوم تطوير الجهاز الحكومي من خلال القيام بعدة أدوار، منها: تحفيز الابتكار والتجديد حيث تشجع الحوكمة على تأسيس بيئة عمل قائمة على الابتكار والتجديد من خلال تحفيز ثقافة التحسين المستمر حيث تُراجع العمليات والأنظمة بشكل دوري لتواكب التغيرات إضافة إلى تشجيع التجارب والمبادرات الجديدة مثل الشراكات بين القطاع العام والخاص لتقديم حلول مبتكرة للتحديات الإدارية. كذلك استخدام التكنولوجيا الحديثة بغرض تطوير نظم المعلومات والإدارة، مما يساهم في اتخاذ قرارات أكثر دقة وسرعة.

ومن أدوار الحوكمة في تطوير القطاع العام تعزيز التكامل المؤسسي حيث يساهم تطبيق مبادئها في تحقيق التكامل بين مختلف الجهات الحكومية من خلال: تنسيق السياسات والبرامج مما يحد من الازدواجية في الإجراءات ويوفر بيئة عمل موحدة تخدم المصلحة العامة، وكذلك عبر تقوية نظم الرقابة الداخلية لضمان تطبيق المعايير والسياسات بشكل موحد ومتسق على مستوى الجهاز الحكومي بأكمله، إضافة إلى تعزيز التعاون بين المستويات الحكومية سواء كان ذلك بين الجهات المركزية والمحلية أو بين القطاعات المختلفة داخل الدولة.

كما تلعب الحوكمة من منظور التطوير دوراً بارزاً في دعم الاستدامة والتنمية حيث تعمل الحوكمة على بناء مؤسسات حكومية قادرة على استيعاب التطورات الاقتصادية والتكنولوجية مما يساعد في وضع استراتيجيات تنموية تتوافق مع متطلبات العصر.

وكذلك تعمل على تحقيق التنمية المستدامة من خلال استخدام الموارد بكفاءة وتوفير الخدمات العامة بجودة عالية. إضافة إلى تعزيز المساءلة المالية والإدارية التي تضمن استمرارية المشاريع التنموية على المدى الطويل.

تحديات في وجه تطبيق الحوكمة:

وبعد توضيح دور الحوكمة في عمليتي الإصلاح والتطوير للقطاع الحكومي العام (الإدارة العامة)، تأتي التساؤلات عن التحديات التي تواجه تطبيق الحوكمة في الجهاز الحكومي، حيث إنه على الرغم من الفوائد الكبيرة التي تجلبها مبادئ الحوكمة، تواجه الدول عدة تحديات في تطبيقها بشكل فعّال:

  1. المقاومة المؤسسية: نظراً لوجود ثقافات إدارية متأصلة وصعوبة تغيير الأنظمة التقليدية.
  2. الاختلاف في مستويات التنمية: حيث تختلف قدرات الدول في تبني التكنولوجيا والابتكار مما يؤدي إلى تفاوت في تطبيق مبادئ الحوكمة.
  3. الضغوط السياسية: التي قد تؤثر على استقلالية الجهات الرقابية وتعيق عمليات الإصلاح.
  4. التحديات القانونية والإجرائية: في بعض الأحيان تكون القوانين القائمة غير مواكبة للتطورات الحديثة مما يتطلب تعديلات تشريعية شاملة.

ولمواجهة هذه التحديات، يتطلب الأمر إرادة سياسية قوية، واستراتيجية متكاملة تشمل تحديث الأطر القانونية، وتطوير القدرات البشرية، وتعزيز التعاون مع المجتمع المدني والقطاع الخاص.

ختاماً، إن الحوكمة الجيدة (الرشيدة) The Good Governance ليست مجرد مفهوم نظري، بل هي أداة حيوية تُمكن الدولة من إصلاح جهازها الحكومي وتطويره بما يضمن تقديم خدمات عامة بجودة عالية وتحقيق التنمية المستدامة، عبر تعزيز الشفافية، وتحسين الأداء المؤسسي، وتشجيع المشاركة المجتمعية، تصبح الحوكمة محورًا أساسيًا لتجاوز العقبات التي تقف في طريق الإصلاح. ونحن نعيش حالياً في عصر يتسم بالتغير السريع والتحديات المتزايدة، يبقى تبني مبادئ الحوكمة الفعّالة خطوة أساسية نحو بناء دولة حديثة ومستدامة تضمن حقوق مواطنيها وتحقق لهم الرفاهية والاستقرار. وكذلك فإن إن التطبيق العملي لمبادئ الحوكمة يتطلب تضافر الجهود من جميع الجهات المعنية، بدءًا من القادة وصانعي القرار وصولاً إلى المواطنين.

فالنجاح في إصلاح الجهاز الحكومي لا يُقاس فقط بإصلاح الأنظمة والإجراءات، بل بقدرة الدولة على تحقيق توازن بين الفعالية والعدالة، مما يضمن مستقبلًا أكثر إشراقًا وشمولية للجميع، واستدامة تضمن حق الأجيال المستقبلية في وطن آمن ومستقر ومتطور.

نسخ الرابط تم نسخ الرابط

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق الجبهة الديمقراطية المصرية: محاولات الصهاينة فشلت والمقاومة الفلسطينية ستنتصر
التالى 43 ألف طالب يفشلون في امتحانات الشهادة الإعدادية بأسيوط بنسبة رسوب 57.78%