سوريا، ذلك البلد الذي كان في يوم من الأيام شامخًا وحاضنًا للحضارات، تحول إلى أنقاض مدمرة، تعيش في جحيم من الحروب والانقسامات.
ملامح هذا البلد الذي مزقته سنوات من الحرب الطاحنة منذ عام 2011، تتناثر اليوم على أطلاله. عقب سقوط بشار الأسد، وبدون مبالغة، نجد أنفسنا أمام مشهد أكثر تعقيدًا، أكثر مرارة، وأكثر كارثية.
تفتقر سوريا إلى قيادة حقيقية، والأفق السياسي غامض، والمعوقات في طريقها نحو الانتقال واضحة بكل بشاعتها. الشعب السوري يعيش أسوأ مراحله وأكثرها خطرًا، إذ يقبع في حالة من التيه والتساؤل: هل سيظل هناك وطن يمكنه إعادة بناء نفسه من رماده؟
الأزمة الداخلية: توحيد الصفوف أو تفتيت البلاد؟
أكبر التحديات التي تواجهها سوريا بعد سقوط الأسد يكمن في بناء أساس للسلام الداخلي، لكن هذا ليس أمرًا سهلاً. الحرب الأهلية التي استمرت لأكثر من عشر سنوات أفرزت واقعًا معقدًا، فالدولة السورية لا تشبه نفسها اليوم.
تنوع طائفي وعرقي يضع كل طرف في مواجهة الآخر، إضافة إلى أن الفصائل المسلحة التي تسيطر على أجزاء من البلاد تتبع مرجعيات خارجية.
هذه الفصائل قد تكون مستعدة لافتعال المزيد من الصراعات إذا تعارضت مصالحها. ولعل أخطر ما يواجه سوريا هو التدخلات الأجنبية التي قد تفضي إلى تفكيك البلاد إلى كيانات متعددة. الفوضى ليست خيارًا بل قدرًا يفرضه الواقع في ظل غياب الحلول الفعالة.
هل سيكون هناك استقرار داخلي أم فوضى مدمرة؟
الواقع السوري اليوم يتطلب إعادة بناء مؤسسات الدولة من الصفر. الحاجة ماسة لتأسيس مجلس انتقالي يمثل جميع أطياف الشعب السوري، لكن الأفق غير واضح حول شكل الحكومة المستقبلية. هل سيكون النظام فدراليًا أم مركزيًا؟ لا أحد يعرف.
لكن الأكيد أن سوريا بحاجة ماسة إلى إعادة تشكيل المؤسسات المتفككة نتيجة سنوات من الإهمال والتدمير. الفشل في بناء هذه المؤسسات سيتحول إلى كارثة حقيقية، فالمجتمع الدولي قد لا يقدم المساعدات دون ضمانات لاستقرار سوريا.
العدالة الانتقالية: هل يمكن محاسبة من دمروا البلاد؟
إحدى القضايا الأكثر حساسية بعد انهيار النظام هي العدالة الانتقالية. كيف يمكن محاسبة النظام الذي حكم البلاد بالحديد والنار طوال خمسين عامًا؟ كيف يمكن علاج الآلام التي خلفتها سنوات من القمع والانتهاكات؟ العدالة ليست رفاهية بل ضرورة.
ومع ذلك، هل ستكون العدالة الانتقالية كافية لرد الحقوق؟ هل يمكن للسوريين أن يتغلبوا على جروحهم العميقة ويسامحوا الذين دمروا حياتهم؟ الحقيقة الصادمة أن العدالة لن تكون سهلة، وستواجه الكثير من العوائق في ظل الانقسامات العميقة التي يعاني منها الشعب السوري. تحقيق العدالة سيكون معركة أخرى، والمعركة لن تكون ضد النظام فقط بل ضد الفساد الذي سيطر على جميع جوانب الحياة في البلاد.
الجيش السوري: هل سيكون الحامي أم المتسبب في المزيد من الخراب؟
الجيش السوري، الذي كان في يوم من الأيام ركيزة النظام، قد يصبح اليوم أحد العوامل الرئيسية في تحديد مصير سوريا. بعد سنوات من التدمير والانقسامات داخل الجيش، كيف يمكن أن يكون الجيش السوري هو الحامي للبلاد؟ إعادة بناء الجيش وتوحيده تحت راية واحدة ستكون مهمة شاقة، بل شبه مستحيلة في ظل الانقسامات التي تضربه من الداخل.
الفوضى التي نشأت في مؤسسات الجيش لن تختفي بين ليلة وضحاها. الحقيقة القاسية أن هذه المؤسسة التي كان من المفترض أن تحمي البلاد قد تصبح أحد أسباب انهيارها إذا لم يتم التعامل معها بعناية فائقة. إن إعادة هيكلة الجيش السوري لا تقتصر على تغيير القيادات بل تحتاج إلى إصلاح شامل يهدف إلى جعل الجيش قوة وطنية حقيقية وليست مجرد أداة في يد القوى الإقليمية.
إعادة الإعمار: هل يمكن لسوريا أن تنهض من ركامها؟
إعادة إعمار سوريا بعد كل هذا التدمير تبدو مهمة شبه مستحيلة. المدن التي كانت يومًا ما مزدهرة تحولت إلى أطلال، والبنية التحتية التي كانت على أعتاب التطور تدمرت بالكامل. أي حديث عن إعادة الإعمار يتطلب أموالًا ضخمة، وهي أموال قد لا تتوافر في ظل الأزمات الاقتصادية والسياسية الراهنة.
حتى مع الدعم الدولي، يبقى السؤال: هل سيكون السوريون مستعدين لتقبل أي مساعدة من دول قد تكون جزءًا من تدميرهم؟ هذا إذا كانت تلك الدول مستعدة لتقديم الدعم في الأساس. إعادة الإعمار ليست فقط بناء المنازل والطرقات، بل إعادة بناء الحياة نفسها، وهذه العملية ستحتاج إلى أكثر من مجرد مساعدات مالية.
عودة اللاجئين: هل العودة ممكنة؟
منذ اندلاع الأزمة، فرَّ ملايين السوريين إلى دول مختلفة، والآن مع سقوط النظام، تبقى مسألة عودتهم إلى وطنهم موضوعًا محوريًا. العودة ليست مجرد خيار، بل حلم الكثير من هؤلاء اللاجئين الذين فقدوا أوطانهم وأسرهم. لكن العودة مشروطة بالاستقرار السياسي والأمني، وهو ما يبدو بعيد المنال.
الهم الأكبر للمواطن السوري الذي هجر وطنه هو العيش في ظروف آمنة بعيدًا عن القتل والدمار، وهو أمر لا يبدو أن سوريا قادرة على توفيره في الوقت الراهن.
الاقتصاد السوري: النهاية التي لا مفر منها؟
الاقتصاد السوري انهار تمامًا تحت وطأة الحرب، والسياسات الفاشلة للنظام الحاكم. الدولة السورية التي كانت تعتمد على المساعدات الخارجية والصراعات الداخلية كمصادر دخل، أصبحت اليوم بلا قاعدة اقتصادية متينة.
لا توجد خطة واضحة لإنقاذ الاقتصاد، ولا تظهر أي بوادر لتحفيز النمو الاقتصادي في الأفق. إن الوضع الاقتصادي المتردي يضع الشعب السوري أمام مشهد سوداوي في المستقبل القريب. الحلول التي كانت قد تخطر في بال البعض باتت مجرد أمنيات بعيدة المنال.
التحديات الإقليمية: مؤامرات تطوق سوريا من كل اتجاه
التحديات التي تواجه سوريا لا تقتصر على الداخل فقط، بل هي محاطة بالتدخلات الإقليمية والدولية التي قد تسحبها إلى المزيد من الفوضى. هناك دول عربية وإسرائيل لا يمكنها تصور سوريا خالية من الأسد، وتراهن على إبقاء البلاد في حالة من الاضطراب لكي تظل المصالح الخارجية محمية. هذا التدخل الإقليمي الذي يبدو أنه لا نهاية له يعقد الوضع السوري أكثر ويزيد من تعقيد أي جهود لإعادة بناء البلاد.
سوريا على حافة الهاوية
سوريا اليوم على حافة الهاوية. الوضع الداخلي يتفكك بسرعة، والتدخلات الخارجية تزيد من عمق الكارثة. التحديات التي تواجه البلاد معقدة لدرجة أن أفق الحلول يبدو ضبابيًا.
مصير هذا البلد العظيم أصبح مجهولًا، وكلما تأخر الحل، كلما زادت فرصة تحول سوريا إلى دولة فاشلة لن يستطيع أحد إنقاذها.
نسخ الرابط تم نسخ الرابط