في خطوة تضاف إلى مسلسل الهيمنة على الإعلام المصري من قبل قوى متنفذة، تم الإعلان عن تحالف مشبوه بين إحدى الشركات الإعلامية الكبيرة والشركة التي يترأسها رجل أعمال بارز.
هذا التحالف الذي تم بين الطرفين، يعكس بوضوح التوجه الحكومي نحو تحويل الإعلام إلى أداة للترويج للمصالح السياسية وتوجيه الرأي العام بما يخدم القوى الحاكمة.
التحالف يهدف إلى وضع استراتيجية جديدة لتطوير منظومة الإعلام، ولكن على أرض الواقع هو مجرد غطاء لتحصين السلطة وتكريس سيطرة جماعات معينة على المشهد الإعلامي في البلاد.
تُعد هذه الخطوة جزءاً من مساعي الحكومة لتكريس سيطرتها المطلقة على الإعلام المصري من خلال تكثيف قبضتها على مختلف وسائل الإعلام، إذ تعمل على استقطاب رجال الأعمال المرتبطين بها لاستكمال عملية استثمار الإعلام من أجل تعزيز النفوذ السياسي وتوظيفه لتحقيق أهداف مصلحية ضيقة.
ضمن هذا السياق، تم الاتفاق على دمج الأنشطة الإعلامية والاقتصادية لتصبح أكثر تركيزاً وتكاملاً، مما يضاعف من قدرة هذه القوى على فرض إرادتها على الصحافة والبرامج الإعلامية التي يتم بثها يومياً.
الهيمنة على الإعلام ليست مجرد هدف اقتصادي بحت بل هي عملية تتضمن تحولاً في أسلوب عمل الإعلام ليصبح أداة دعاية تروج للسياسات الحكومية ولأجندة السلطة القائمة.
ومن هنا، تأتي أهمية استعراض تفاصيل هذا التحالف الذي يعكس بكل وضوح مدى تغول الفساد في الحكومة وكيف تم تسخير الإعلام لخدمة أطراف معينة على حساب الشفافية والمهنية.
في سياق الحديث عن هيمنة الحكومة على الإعلام، لا يمكننا أن نغفل أن هذه الشركة التي تمتلك مجموعة كبيرة من القنوات التلفزيونية والمحطات الإذاعية لم تكتفِ بذلك، بل ضمت في حصتها كلاً من القنوات الكبرى مثل سي بي سي، الحياة، إكسترا نيوز، بالإضافة إلى قنوات أخرى أقل شهرة لكنها تبث من خلال التلفزيون الحكومي.
كما أن هذه المجموعة الإعلامية تملك مجموعة من المحطات الإذاعية التي تُعد من أبرز محطات الراديو في مصر مثل ميجا إف إم وراديو 9090، مما يضمن لها سيطرة شبه كاملة على مجريات الإعلام في البلاد.
تتجلى أهمية هذا التحالف في إعادة تشكيل الهيكل الإداري للشركة التي تقف وراءه حيث تم الاتفاق على تعيين مجموعة من الخبراء المتخصصين في الإعلام وهو ما يثير تساؤلات حول حقيقة نوايا هؤلاء المتخصصين. إذا كان الهدف بالفعل هو تطوير المنظومة الإعلامية فكيف يمكن تفسير سيطرة أفراد بعينهم على كافة مفاصل الإعلام في البلاد؟ وما هي النتائج التي يمكن توقعها عندما يتقاسم هؤلاء الأشخاص السلطة الإعلامية بين أيديهم دون وجود رقابة حقيقية أو منافسة فعلية من أطراف أخرى؟
من المعروف أن أحد الأطراف الرئيسيين في هذا التحالف هو رجل الأعمال الشهير الذي يسيطر على مجموعة من الوسائل الإعلامية الموجهة، وهو رجل أعمال ذاع صيته في مجال الإعلانات وله تاريخ طويل في تأسيس وامتلاك قنوات إعلامية عدة. هذا الرجل الذي يمتلك قناة القاهرة والناس والتي تعد واحدة من القنوات التي تؤثر بشكل كبير على الرأي العام المصري، هو ذاته الذي قاد عملية توسيع نطاق شركاته لتشمل عدداً من الشركات الكبرى في مجالات الدعاية والإعلان والإنتاج السينمائي والتلفزيوني.
تساؤلات كثيرة تدور حول هذا التحالف وما يهدف إليه. هل الهدف هو تحسين الوضع الإعلامي في مصر؟ أم أن هناك نوايا أخرى لا أحد يعرفها؟ من الواضح أن الحكومة المصرية تسعى إلى زيادة قبضتها على وسائل الإعلام لتصبح أداة إضافية في خدمة أجنداتها السياسية دون وجود أي موانع أو معوقات. هذا التوجه يسلط الضوء على فساد السلطة وتواطؤ رجال الأعمال معها لتحويل الإعلام إلى أداة ترويجية لخططهم الخاصة، وهو ما يهدد بشكل كبير حرية الصحافة في مصر.
الخطورة تكمن في أن هذه الهيمنة على الإعلام يمكن أن تؤدي إلى مزيد من التضييق على الأصوات المعارضة والمستقلة، مما يعزز من سلطة الحكومة ويغلق الأفق أمام أي محاولات للتمرد أو الانتقاد الموضوعي لسياساتها. الإعلام الذي كان من المفترض أن يكون رقيباً على الحكومة ومراقباً لسياستها، أصبح اليوم أداة بيد السلطة لتمرير مشاريعها وتنفيذ مخططاتها دون أي اعتراض أو مساءلة.
ويجب أن نُدرك أن هذا التحالف لا يعبر فقط عن تزاوج المصالح بين رجال الأعمال والحكومة، بل هو أيضاً مؤشر على أن الإعلام أصبح بيد فئة معينة تستخدمه لتحقيق مكاسب مالية وسياسية على حساب مصلحة الوطن والمواطن. ما يحدث الآن هو أن مصر باتت أمام مشهد إعلامي مخيف، حيث تزداد سيطرة فئة معينة على هذا القطاع المهم، وتصبح أي محاولة للتغيير أو الإصلاح مستحيلة طالما أن هذه القوى هي التي تتحكم في كل مفاصل الإعلام.
من أجل ذلك، يجب على كل من يهمه أمر الوطن أن يتساءل عن مصير الإعلام المصري في ظل هذا التحالف المشبوه. هل سيظل الإعلام أداة لفتح الأفق أمام الأفكار الحرة أم أنه سيظل مختطفاً في يد مجموعة محدودة من الأشخاص الذين يسيرون الإعلام وفقاً لمصالحهم الخاصة؟
نسخ الرابط تم نسخ الرابط