في مشهد يفضح واقع النظام السوري المتهاوي، وفي لحظة تراجع أفقية لم تخطر على بال أحد، كانت المعارضة المسلحة تقف على أبواب دمشق بينما كانت روسيا الحليف التقليدي للأسد تتسارع لحسم الموقف بطريقة كانت غير متوقعة، مفضلة الهروب على المواجهة أو الدفاع.
بتنسيق محكم وبغطاء استخباراتي روسي، تم ترتيب عملية هروب الأسد وعائلته إلى موسكو قبل ساعات فقط من دخول قوات المعارضة إلى عاصمة النظام المتهالكة، في محاولة لإبعاد اللوم عن موسكو وحماية مصالحها الاستراتيجية في المنطقة.
وفقاً لمصادر إعلامية غربية رفيعة، قامت روسيا بتقديم ممر آمن للأسد وعائلته عبر عملية هروب نظمتها الاستخبارات الروسية، التي تعاملت مع الوضع بحرفية غير مسبوقة.
وفي لحظات تراجع النظام، كان الأسد قد أصيب بصدمة مدمرة عندما واجه حقيقة أن قواته كانت تنهار في لحظة حاسمة أمام هجوم المعارضة بقيادة عناصر من “هيئة تحرير الشام”. لم يكن أمام موسكو سوى خيار واحد، وهو إقناع الأسد بالرحيل بشكل سريع.
العديد من التقارير التي نقلتها وكالة بلومبيرغ تشير إلى أن روسيا كانت قد أخذت القرار مسبقاً بحماية مصالحها الاستراتيجية في سوريا عبر ضمان عدم سقوط العاصمة دمشق في يد المعارضة.
وكأن الأمور قد تم تدبيرها مسبقاً، في وقت كانت فيه دمشق تكاد تسقط في يد المقاتلين، حيث قدمت روسيا للأسد ممرًا آمنًا مع وعد بعدم التخلي عنه. إلا أن تلك الحماية الروسية سرعان ما تحولت إلى تحركات خلف الكواليس حيث تم نقل الأسد إلى موسكو بسرية تامة، مستخدمين طائرة مع جهاز إرسال مغلق لتفادي تعقب المسار.
فيما كانت روسيا تخطط للهروب، كان هناك صوت متصاعد في الكرملين يطالب بفهم السبب وراء الفشل الاستخباراتي الذي أوقع النظام في هذا المأزق. مع تقارير تشير إلى أن الأجهزة الروسية لم تكتشف تهديد المعارضة إلا بعد فوات الأوان، كان الوضع يزداد تعقيدًا في عيون الروس، ليتحول الجهد إلى محاولة تحمل المسؤولية عن الهزيمة التي وقعت رغم الدعم الروسي الكبير.
بحسب أحد المصادر المقربة من الكرملين، شدد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على ضرورة التحقيق في الفشل الاستخباراتي الذي سمح لهذا التهديد بالتطور إلى هذا الحد دون أن يتم تداركه. وقال الشخص الذي طلب عدم الكشف عن هويته، إن بوتين أعرب عن قلقه بشأن التقارير التي تؤكد فشل أجهزة الاستخبارات في التنبؤ بتوسع تهديد المعارضة السورية.
وبينما كان الأسد يتعرض لضغوط هائلة، قررت روسيا أن تتخذ خطوة حاسمة. موسكو التي كانت قد بدأت بمهاجمة المقاتلين المعارضين لتخفيف الضغط على الأسد، وجدت نفسها أمام واقع مرير عندما انهار الجيش السوري على نحو مفاجئ. فقد تم الاستيلاء على مدينة حماة، التي كانت أحد أبرز معاقل النظام، في وقت قياسي لم يتجاوز الأيام. ثم جاء الدور على مدينة حلب التي سقطت، ما جعل المعارضة تقترب بشكل مقلق من السيطرة على حمص، التي تعتبر بالنسبة للأسد حجر الزاوية في استراتيجيته الدفاعية. لم تجد روسيا خيارًا سوى إقناع الأسد بالاستسلام، لحماية مصالحها بعيدًا عن حمام الدم الذي كان يهدد بتدمير المنطقة بالكامل.
لكن الرسالة التي أرادت موسكو إيصالها كانت حاسمة، وهي أن الأسد هو المسؤول الأول عن الهزيمة التي لحقت به وبنظامه. وسائل الإعلام الروسية نفسها كانت قد بدأت ببث رسائل خفية تتهم الأسد شخصياً بالفشل، مع التأكيد على أن موسكو ستبقى ملتزمة بحمايته ولكن ضمن حدود الحفاظ على مصالحها الإستراتيجية في المنطقة. كان من الواضح أن روسيا قد بدأت بالفعل في إعادة ترتيب أوراقها في سوريا، معتبرة أن الحملة العسكرية لن تتمكن من تحقيق نتائج مرضية في ظل هذه الظروف.
الأسد الذي كان في يوم ما يمثل الحليف الأقوى في المنطقة، أصبح في لحظة محورية عبئًا ثقيلًا على روسيا، التي كانت تراهن على بقاء النظام السوري، ولكن الواقع فرض عليها قرارات صعبة. وفي حين حاولت روسيا تنسيق هروب الأسد بكل سبل الحماية، فإن الانتصارات العسكرية للمعارضة التي كانت تقترب من دمشق قد وضعت موسكو في مواجهة معضلة كبيرة.
التقرير الأخير من بلومبيرغ أشار إلى أن بوتين قد حذر بشكل صريح من استمرار دعم الأسد إذا استمر الوضع على هذا النحو، معتبرًا أن “الخسارة” التي تعرض لها الجيش السوري كان ينبغي أن تكون محط اهتمام استخباراتي أكبر من موسكو، ما جعل تلك اللحظة فارقة في تاريخ التدخل الروسي في سوريا. ومع تسارع الأحداث، بدأت موسكو تحاول التخفيف من حدة اللوم عليها، حيث أظهرت بعض التقارير الروسية أن “استسلام الأسد” كان خيارًا منطقيًا لاحتواء العواقب المدمرة التي كانت على الأبواب.
ما حدث في سوريا لم يكن مجرد هزيمة عسكرية لنظام بشار الأسد، بل كان فصلًا آخر في مؤامرة دولية محكمة، فرضت على الجميع أن يعيدوا حساباتهم. أما روسيا، التي كانت قد وضعت كل بيضها في سلة الأسد، ها هي الآن في موقف لا تحسد عليه، تسعى للحفاظ على مصالحها دون أن تكون قادرة على الهروب من تبعات تلك الهزيمة الكارثية.
نسخ الرابط تم نسخ الرابط