يشهد حزب الوفد، أحد أعرق الأحزاب السياسية في مصر، أزمة غير مسبوقة تُهدد تاريخه الممتد، بعد أن تفاقمت مظاهر الفساد والإدارة الفاشلة منذ تولي الدكتور عبدالسند يمامة رئاسة الحزب في مارس 2022.
تفجرت الأزمات بشكل أعمق خلال عام 2024، ما دفع العديد من المراقبين والمخلصين من أعضاء الحزب إلى التحذير من انهياره الكامل، إذا استمر هذا النهج المدمر.
منذ بداية قيادة عبدالسند يمامة، تتوالى الاتهامات بالفساد المالي والإداري في الحزب، حيث يتهم ببيع مقاعد البرلمان ومنح المناصب داخل الحزب للمقربين دون مراعاة المعايير الحزبية أو القانونية.
يُتهم يمامة أيضًا بإهدار الأموال العامة، وهو الأمر الذي تجلى في عدم فتح حساب بنكي لتلقي تبرعات حملته الرئاسية، حيث وجه هذه التبرعات لمقربين منه، دون مراقبة الجهات الحزبية أو مؤسسات الدولة المعنية.
الهيئة العليا لحزب الوفد في وضع المتفرج
من المؤسف أن أعضاء الهيئة العليا لحزب الوفد، التي من المفترض أن تكون حارسة للقيم والمبادئ الحزبية، لم تقم بالدور المنوط بها في التصدي لهذا الفساد.
تجاهلت الهيئة العليا فبركة اللجان النوعية التي لم تُعرض على أعضاء الحزب، واكتفت بموقف المتفرج بينما يزداد فساد الإدارة المالية للحزب، الأمر الذي أضر بمكانة الحزب في الشارع المصري.
حزب الوفد، الذي كان يُعرف تاريخيًا بالدفاع عن الحرية والعدالة الاجتماعية، أصبح الآن موصومًا بالفساد والإدارة الفاشلة.
لم يعد يخفى على أحد أن القيادة الحالية لحزب الوفد تقوم بضم عناصر لا تنتمي للحزب، بل تتبع تيارات سياسية لفظها الشعب المصري في عام 2013.
وفي هذا السياق، تم تمرير لجان نوعية ومكاتب في المحافظات والمراكز لصالح أشخاص غير مؤهلين ولا ينتمون فعليًا للوفد. شُكلت هذه اللجان بالتواطؤ مع قيادات تجارية تتعاون مع يمامة لتوسيع سيطرتهم على الحزب.
تدمير الهوية الوفدية التاريخية
ما يُعمق الأزمة في حزب الوفد هو المحاولات المستمرة لتغيير هوية الحزب التاريخية. أصبح هناك تحالف بين عبدالسند يمامة وشخصين آخرين بهدف تحويل الحزب إلى منصة للمصالح الشخصية، بعيدًا عن تاريخه العريق، عبر ضم أعضاء جدد من تيارات مشبوهة. هذا السلوك الممنهج لتغيير هوية الوفد يعتبر خطرًا كبيرًا يهدد بفقدان الحزب لرصيده الشعبي والتاريخي.
في ظل هذه الظروف، فقد حزب الوفد دوره الفاعل كشريك حقيقي للدولة المصرية. كانت مشاركته الوحيدة التي يُمكن الإشارة إليها في الانتخابات الرئاسية الماضية، حيث رشح يمامة نفسه في مواجهة الرئيس عبدالفتاح السيسي، وهي خطوة اعتُبرت إجرائية وليست تحديًا سياسيًا حقيقيًا.
ورغم مكانة الحزب التاريخية، فإن تلك الانتخابات لم تكن سوى محاولة بائسة من عبدالسند يمامة لإضفاء شرعية على وجوده في رئاسة الحزب، خاصة بعد أن استغل نصيحة شخصية من الرئيس السيسي بعدم الاستقالة لأغراضه السياسية الخاصة.
التلاعب بمقام الرئاسة
من أبشع ما قام به عبدالسند يمامة هو إقحامه مقام الرئاسة المصرية في شأن حزبي داخلي، حيث استغل نصيحة الرئيس السيسي بعدم الاستقالة كذريعة للتمسك بمنصبه، مما أظهره وكأنه يتلقى توجيهات مباشرة من الرئيس، وهو أمر لا يليق بمكانة رئيس الدولة.
يُعد هذا التوظيف السيئ لنصيحة الرئيس جريمة أخلاقية وسياسية تتطلب محاسبته عليها، فمكانة الرئيس عبدالفتاح السيسي تتجاوز بكثير هذه المهاترات.
بدلًا من الاعتذار وتصحيح تصريحاته، استمر يمامة في توظيف نصيحة الرئيس كسلاح لإسكات خصومه داخل الحزب، محولًا مقر الوفد التاريخي في شارع بولس حنا إلى ساحة للمحسوبية والشللية.
حزب الوفد الذي كان رمزًا للنضال الوطني بات اليوم أداة في يد عبدالسند يمامة لتمرير مصالحه الشخصية، والنتيجة هي تدهور سمعة الحزب إلى حد غير مسبوق.
هيمنة شخصيات هامشية على الحزب
في مشهد يثير الاستياء، أصبح أشخاص مثل أيمن محسب، الذي يعمل في مجال إعلانات الشوارع، يتحكمون في سياسات الحزب الداخلية، رغم عدم انتمائهم الفعلي للوفد.
استطاع محسب، الذي فشل في الحصول على مقعد بمجلس الشيوخ مستقلًا، الوصول إلى مجلس النواب عبر قوائم حزب الوفد، ما يعكس بوضوح مدى تراجع مكانة الحزب وأهميته السياسية.
تُعد واقعة تسلل محسب إلى الحزب واحدة من أبرز الكوميديا التراجيدية التي شهدها الوفد في السنوات الأخيرة، وهي دلالة واضحة على أن الحزب لم يعد يتمتع بالهيبة والاحترام التي كانت تلازمه في السابق.
هذا التدهور المستمر يجعل الكثيرين من أعضاء الحزب، وحتى رؤساءه السابقين مثل محمود أباظة والسيد البدوي وبهاء أبو شقة، يقفون صامتين وهم يشهدون انهيار الحزب الذي حافظوا عليه في فترات سابقة.
فساد مالي يستشري داخل الحزب
لقد وصل الفساد المالي في حزب الوفد إلى مستويات خطيرة، حيث أصبحت أمواله عرضة للإهدار، ولم يتم تحصيل الشيكات التي قُدمت من أعضاء مثل أيمن محسب نظير حصوله على الحصانة.
هذه الوقائع تكررت مع العديد من الأعضاء، حيث يتم الاستيلاء على أموال الحزب دون حسيب أو رقيب، مما يهدد بإفلاس الحزب قريبًا.
ولا يتوقف الفساد المالي عند هذا الحد، بل يمتد إلى تعيين لجان داخل الحزب من أعضاء مقربين للقيادة الحالية دون أي اعتبار للكفاءات الحزبية.
هؤلاء الأعضاء يستخدمون نفوذهم للتلاعب بأموال التبرعات، التي لم تدخل صندوق الحزب الرسمي، ولم يُطلع المكتب التنفيذي على تفاصيلها، مما يجعل الشفافية والمحاسبة داخل الحزب أمرًا مستبعدًا.
دعوات للإصلاح وإبعاد القيادة الفاسدة
في ظل هذا الوضع المزري، تتزايد الدعوات داخل حزب الوفد لإصلاح شامل وإبعاد القيادة الحالية التي أضرت بالحزب. لم يعد من الممكن السكوت على تقاعس عبدالسند يمامة وفساد إدارته.
وفي الوقت نفسه، تُثار شكوك حول وجود تدخلات خارجية تُسهم في تعيين هذه القيادة الفاسدة، مما يُثير مزيدًا من التساؤلات حول مصير الحزب.
الأزمة الداخلية في حزب الوفد وصلت إلى مرحلة تتطلب تدخلًا جذريًا. لم يعد يكفي الحديث عن الإصلاحات الشكلية أو التعديلات المؤقتة، بل يجب اتخاذ خطوات فعلية لإنقاذ الحزب من الانهيار الكامل.
وتُعتبر أزمة الصحفيين العاملين بجريدة الوفد، الذين لم يتقاضوا رواتبهم منذ أكثر من 6 شهور، جزءًا من أزمة أكبر تشمل جميع أعضاء الحزب.
سطوة المال والفساد
أصبح واضحًا أن سطوة المال هي التي تتحكم في مستقبل حزب الوفد. فالقيادة الحالية لا تهتم بمبادئ الحزب أو قيمه التاريخية، بل تسعى لتحقيق مصالحها الشخصية من خلال التلاعب بالأموال والتبرعات.
هذا التدهور الكبير في حزب كان يومًا رمزًا للحركة الوطنية المصرية، يجب أن يُقابل بتحرك جماعي من الأعضاء المخلصين وأصحاب الضمائر الحية لإعادة الحزب إلى مساره الصحيح.
فساد رئيس الحزب عبدالسند يمامة وتقاعس قيادات الهيئة العليا يعصف بتاريخ الحزب العريق
ما يحدث داخل حزب الوفد ليس مجرد أزمة سياسية داخلية، بل هو انعكاس لأزمة أكبر تتعلق بتدهور الأحزاب السياسية في مصر.
يجب أن يتحد أعضاء الحزب والشعب المصري بشكل عام للتصدي لهذا الانهيار وحماية تاريخ الحزب العريق. إن استعادة الهوية الوفدية ليست مجرد مطلب حزبي، بل هي ضرورة وطنية لاستعادة الدور التاريخي الذي لعبه الوفد في دعم الدولة المصرية والدفاع عن حقوق الشعب.
نسخ الرابط تم نسخ الرابط