أخبار عاجلة

فضيحة فساد الهيئة العامة لقصور الثقافة: سرقة المال العام وتواطؤ المسؤولين

بدأت شبكة الفساد الكبرى داخل الهيئة العامة لقصور الثقافة في الظهور عام 2014 عندما استولت شركة الإنجاز للمقاولات، التي يمتلكها جمال بطه، على كافة المناقصات الخاصة بالمشروعات الكبرى في الهيئة على مستوى الجمهورية.

سيطر بطه على مشروعات المقاولات الحيوية وأدارها وفقاً لأساليب مشبوهة تضمن له الاستفادة المالية الضخمة على حساب المال العام.

أدى ذلك إلى انفجار فضيحة فساد ضخمة في عام 2015 حين تضافر اسمه مع مدير عام الشؤون الهندسية أحمد سيد عبد الفتاح، الذي تم القبض عليه بعد تورطه في قضية رشوة.

حُكم عليه بالسجن خمس سنوات وفُصل من منصبه بعد أن تم الكشف عن تبادل الرشاوى في العديد من مشروعات الهيئة.

تواطأ باقي أفراد العصابة في الهيئة لإخفاء آثار فسادهم. قاموا بتحرير مذكرة تفيد بوجود شركات يجب أن يتم فحص أعمالها، من بينها شركة الإنجاز، والتي كانت قد أصبحت واحدة من ست شركات فقط تخضع للمراجعة.

لكن المفاجأة كانت أن النيابة العامة بعد التحقيقات قامت بحذف اسم شركة الإنجاز من البلاغ المقدم، وبالتالي تم حفظ القضية في غفلة من المراقبين. رغم ذلك، عادت شركة الإنجاز مجدداً لممارسة أعمالها داخل الهيئة.

أصدرت الهيئة بعد ذلك عدداً من القرارات التي تتضمن منع التعامل مع شركة الإنجاز. من بينها القرار الذي يقضي بتغريم الشركة 17 مليون جنيه بسبب إهدار المال العام في مشروع قصر ثقافة الأنفوشي بالإسكندرية.

لكن جمال بطه لم يقف مكتوف اليدين، بل قام بتعيين مصطفى الحلو، أحد موظفي شركته، الذي حصل على سجل مقاول وأوراق رسمية باسم مصنع 9 ليتمكن من العودة للعمل على نفس النمط السابق.

ابتكر جمال بطه خطة جديدة لاستمرار عمليات النهب والسرقة، حيث بدأت الأمور تُعتمد عبر آلية قديمة، تقوم على تقديم تقديرات مالية للمشروعات عبر مركز البحوث، ثم إرسالها إلى الهيئة لتتم التفاوض على خصم جزء بسيط من قيمتها.

استغل بطه هذه الفرصة ليخلق مشاريع وهمية تحت مسمى “الأعمال المستجدة 1/2/3″، وبهذا تضاعفت قيم المقايسات بشكل غير قانوني بنسبة تصل إلى 300% وأحياناً أكثر. تكررت هذه الحيلة في عدد من الأماكن مثل السويس والقناطر الخيرية والإسكندرية والغردقة وبنها وأسوان.

فضح وزير الثقافة بنفسه الفساد في 5 يناير 2025 بعد اكتشاف التلاعب بالأعمال المستجدة في مشروع أسوان. تسرّب الخبر عن وجود مراجعة رقابية على هذه الأعمال، مما دفع المقاول مصطفى الحلو إلى محاولة سحب أوراق المشاريع المزورة.

رغم ذلك، قامت سكرتارية الشؤون الهندسية في الهيئة برفض تسليم المستندات المطلوبة. حينها، قام الحلو بالاتصال بالمهندس أمير، الذي يعمل في الشؤون الهندسية في الهيئة، فهرع إلى مكان الواقعة وأصدر تعليماته بشطب الأوراق الخاصة بالتجاوزات.

ارتكب المهندس أمير جريمة أخرى عندما قام بشطب الوثائق الخاصة بالتجاوزات، محاولاً إخفاء آثار الجريمة. لكن لم يكن يعلم أن تلك الوثائق قد تم تصويرها قبل الشطب، ما سمح لنا بكشف حجم الفساد الذي استشرى في الهيئة.

وظهر جلياً أن الفساد في الهيئة كان منتشراً على جميع المستويات، من أصغر موظف حتى أعلى القيادات، مما جعل الهيئة بيئة خصبة للفساد المستشري.

كان هذا التصرف من المهندس أمير، الذي ارتكب جريمة التلاعب في الأوراق، مجرد جزء من شبكة فساد أكبر تتضمن مهندسين آخرين مثل المهندسة مي محمود والمهندسة أسماء عبد المقصود.

هذه الأسماء ليست سوى جزء صغير من قائمة طويلة من المسؤولين الذين كانوا يوقعون على هذه الأعمال المزورة، وكانوا يساهمون في تدمير المال العام.

ولم يتوقف الفساد عند حد معين، بل تواصل طوال فترة إدارة محمد ناصف للهيئة، التي كان فيها الإهمال والتواطؤ سمة أساسية في التعامل مع قضايا الفساد.

تتعدد نماذج الفساد التي تم الكشف عنها، وتُظهر حجم التلاعب المستمر في أعمال الهيئة. إن فساد الهيئة العامة لقصور الثقافة هو أكبر من مجرد إهدار المال العام، بل هو سرقة علنية للمقدرات المالية للدولة والشعب.

تم التلاعب في الوثائق والملفات، وتعديل تقديرات المشروعات من أجل التربح غير المشروع على حساب الخزينة العامة. وكل هذه الجرائم كانت تتم بتغطية وتواطؤ من كبار المسؤولين في الهيئة الذين كانوا يعلمون تماماً ما يجري، ولكنهم فضلوا السكوت بل والتواطؤ.

كشفت هذه التحقيقات عن واقع مرير يعيشه المواطنون في ظل غياب الرقابة والمحاسبة الحقيقية. في الوقت الذي يتم فيه نهب المال العام علنياً، يبقى المواطن هو الضحية التي تتحمل نتائج فساد هذه الشبكة المنظمة التي تسرق من خزانة الدولة دون رادع.

ما نحتاج إليه الآن هو محاكمة كل من كان له دور في هذا الفساد الممنهج، ومحاسبة المسؤولين الذين سمحوا بتفشي هذه الظاهرة. إن هذا الفساد يجب أن ينكشف أمام الجميع، وأن تتحرك الأجهزة الرقابية لمحاسبة كل فرد متورط فيه، سواء من المهندسين الذين ساهموا في التلاعب بالأوراق، أو من المسؤولين الذين استغلوا مواقعهم لتسهل عمليات السرقات.

كانت هذه الواقعة واحدة من العديد من نماذج الفساد التي انتشرت في الهيئة، وشملت توقيعات لعدد من مهندسي الشؤون الهندسية في الهيئة مثل المهندس أمير، والمهندسة مي محمود، والمهندسة أسماء عبد المقصود.

وتم الكشف عن العديد من الوثائق التي تثبت تلاعبهم في الأعمال المستجدة بهدف نهب المال العام. وكان من الواضح أن هذا الفساد كان يتم تحت أنظار الإدارة العليا في الهيئة، والتي كانت تدير شؤون الهيئة في عهد محمد ناصف، وذلك دون أي محاسبة أو مراقبة حقيقية على هذه الأنشطة المشبوهة.

إن هذه القضية لا تعتبر فقط إهداراً للمال العام، بل هي سرقة علنية وممنهجة لثروات الشعب المصري. وقد أوضحنا في هذا التقرير العديد من الأدلة التي تفضح التلاعب الذي جرى في الهيئة العامة لقصور الثقافة، ما يستدعي محاكمة عاجلة لكل من ساهم في هذه الجرائم.

ويتبين أن الفساد في الهيئة أصبح أكثر تعقيداً وانتشاراً، وأنه لا يزال مستمراً في ظل غياب المحاسبة الفعلية.

إن هذا الفساد هو نتاج ثقافة الإهمال والتواطؤ التي تسود بعض مؤسسات الدولة، ولا بد من محاسبة جميع المتورطين، من أعلى المسؤولين إلى أصغر الموظفين الذين تواطؤوا مع الفاسدين.

ولابد من محاسبة حقيقية لا تكون مجرد إجراءات شكلية، بل تتضمن تحركات جدية لمحاسبة المسؤولين عن سرقة المال العام.

نسخ الرابط تم نسخ الرابط

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق مصر في مفترق طرق مصيري: استقرار المنطقة في خطر
التالى حزب الجبهة الوطنية الجديد يحمل أهدافًا مشبوهة ولا يمكن التنبؤ بمستقبله