يتصدر محمد أبو العينين، رجل أعمال بارز في صناعة السيراميك، ورغم ضخامته الاقتصادية، مشهد الفساد المستشري في مصر.
ليس مجرد رجل أعمال بارز، بل هو واحد من القلائل الذين نجحوا في الحفاظ على نفوذهم السياسي وتضخم ثرواتهم على مدى أربعة أنظمة سياسية متعاقبة.
أبو العينين، الذي يشغل منصب نائب رئيس حزب مستقبل وطن الحاكم، ووكيل مجلس النواب المصري، استطاع بمهارة أن يظل في موقع النفوذ بفضل علاقاته الواسعة مع القيادات السياسية والحكومية، إلا أن هذا النفوذ مكنه أيضًا من الاستفادة بشكل كبير على حساب الدولة، وسمح له بالتهرب من سداد مديونيات هائلة تقدر بأكثر من 7 مليارات جنيه.
ملف مديونيات محمد أبو العينين للشركة القابضة لكهرباء مصر والشركة القابضة للغازات الطبيعية ليس مجرد قضية مالية، بل هو نموذج صارخ للفساد المؤسسي الذي يغرق فيه الجهاز الحكومي المصري، ويكشف عن تقاعس غير مسبوق من الشركة القابضة لكهرباء مصر ووزارة الكهرباء، بل ومن الحكومة المصرية ككل.
كيف يمكن أن تتراكم مديونيات بهذا الحجم دون أي تدخل صارم من الدولة لتحصيلها؟ وكيف يمكن لرجل أعمال بحجم أبو العينين أن يظل مديونًا بمليارات الجنيهات على مر سنوات، دون أن يضطر إلى دفعها؟
في الوقت الذي تعاني فيه مصر من أزمة اقتصادية خانقة، لا يزال أبو العينين يتمتع بحياة من الرفاهية تتجاوز حدود المعقول.
يمتلك أسطولاً من السيارات الفارهة والطائرات الخاصة التي ينافس بها أثرياء العالم، بينما تتراكم عليه ديون هائلة للشركة القابضة لكهرباء مصر والشركة القابضة للغازات الطبيعية.
هذه المديونيات تجاوزت حاجز السبعة مليارات جنيه، ولم يقم أبو العينين بسدادها رغم مرور سنوات عديدة، بل ظل يراوغ ويتهرب من الالتزامات المالية المترتبة عليه.
الأمر الأكثر استفزازًا في هذا الملف هو التسويات المشبوهة التي طرحت سابقًا، والتي تضمنت استبدال أراضٍ مقابل هذه المديونيات. لكن هذه الصفقة لم تكن قانونية ولا اقتصادية بأي شكل من الأشكال.
وفقًا لمصادر مطلعة، حصل أبو العينين على أراضٍ من الدولة بأسعار زهيدة تصل إلى 50 جنيهًا للمتر الواحد، مستفيدًا من علاقاته الوثيقة برئيس الوزراء وعدد من المسؤولين السابقين والحاليين.
إلا أن القضية لم تقف عند هذا الحد، بل تجاوز الأمر ذلك عندما قام ببيع هذه الأراضي للدولة مرة أخرى مقابل 35 دولارًا للمتر الواحد، وهو ما يعادل حوالي 1000 جنيه مصري، مما يعني أن أبو العينين حقق أرباحًا ضخمة من هذه الصفقة التي تثير الكثير من التساؤلات حول طبيعة الدور الذي لعبه وزراء الكهرباء والبترول في تمريرها.
تعد هذه الصفقة مثالاً واضحًا للتلاعب والتواطؤ بين محمد أبو العينين وبعض المسؤولين الحكوميين. فقد كان من المفترض أن تقوم الدولة بسحب هذه الأراضي من أبو العينين، لا أن تعيد شراءها منه بأسعار مرتفعة.
ما يجعل الأمور أكثر خطورة هو أن مديونيات الكهرباء والبترول كانت تتراكم طوال هذا الوقت، بينما يتجاهل المسؤولون الحكوميون هذا الملف المتفجر.
وقد تم تحديد فوائد على المديونية البالغة 7% لمدة 10 سنوات، وهي الفائدة التي كان من المفترض أن يستفيد منها صغار المستثمرين في هذا المجال.
ولكن على عكس هؤلاء المستثمرين الذين سددوا ديونهم، فإن محمد أبو العينين رفض الالتزام بالسداد واستمر في تهربه الواضح من تسوية المديونيات المستحقة عليه.
هذا ليس سوى غيض من فيض في ملف أبو العينين، الذي يتهم أيضًا بشراء الأراضي بهدف رفع قيمتها ثم بيعها لتحقيق أرباح ضخمة، وهي إستراتيجية أدت إلى تعقيد مسألة تسوية مديونياته للكهرباء والغاز.
الأرض التي كان يجب أن تستثمر في إطار زمني محدد وفقًا للاتفاقات المبرمة مع الدولة لم تستثمر، ومع ذلك تم تقييمها مرة أخرى بسعر جديد مرتفع، وتم استبدال قيمتها بديون ضخمة تراكمت على أبو العينين.
هذا التلاعب الواضح يعني ببساطة أن أبو العينين حصل على الغاز والكهرباء بشكل شبه مجاني على مر السنوات، بينما كانت الدولة المصرية والمواطنون يعانون من آثار ارتفاع أسعار الطاقة.
واستمرارًا لهذا المسلسل، لا يمكن تجاهل القضية الشخصية التي أثيرت حول محمد أبو العينين، والمتعلقة بنفقة طليقته. فقد أصدرت محكمة الاستئناف العائلية في التجمع الخامس حكمًا بإلزامه بدفع 30 مليون جنيه كنفقة متعة لطليقته، وهو مبلغ ضخم يضاف إلى قائمة الفضائح التي تحيط بهذا الرجل.
بينما يعيش أبو العينين في عالم من الرفاهية المطلقة، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو كيف يمكن لشخص بمثل هذا الوضع المالي الفخم أن يتهرب من سداد ديونه الهائلة المستحقة للدولة؟
المفارقة هنا تكمن في التناقض الواضح بين حياة أبو العينين الفاخرة وبين التزاماته المالية الضخمة التي لا يزال يتجاهلها. السؤال الذي يدور في أذهان الجميع هو: من يحمي هذا الرجل؟ وكيف يمكن له أن يتمتع بكل هذا النفوذ والقدرة على الإفلات من سداد مليارات الجنيهات المستحقة للدولة في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد؟
الأجهزة الرقابية لم تتدخل بعد لفتح ملف ديون الكهرباء والغاز المتراكمة على محمد أبو العينين. هذه المليارات كان من المفترض أن تذهب لدعم الاقتصاد الوطني وتحسين الخدمات العامة،
إلا أن الفساد والتواطؤ الواضح بين بعض الأطراف الحكومية سمح لهذا الرجل بالتهرب من دفع ما عليه. لماذا لم تتدخل هذه الأجهزة بعد؟ وهل هناك حماية سياسية واقتصادية تحول دون فتح هذا الملف؟
في ظل هذه الظروف، لا يمكن التغاضي عن دور الشركة القابضة لكهرباء مصر ووزارة الكهرباء في هذا الملف. هذه المؤسسات التي يفترض أن تكون خط الدفاع الأول عن المال العام، فشلت في تحصيل مديونياتها من محمد أبو العينين.
بل إن التواطؤ بدا واضحًا عندما وافقت هذه الجهات على تسويات مشبوهة واستبدال أراضٍ مقابل الديون دون وجود ضمانات حقيقية على استرجاع حقوق الدولة.
التساؤلات هنا لا تنتهي: لماذا لم تقم الشركة القابضة لكهرباء مصر بتحصيل هذه الديون في وقتها؟ ولماذا سمحت لمديونيات أبو العينين بالتراكم إلى هذا الحد؟
وكيف يمكن لوزارة الكهرباء أن توافق على صفقات مشبوهة دون أن تلتفت إلى المصلحة العامة؟ وكيف تسمح الحكومة المصرية بهذا التراخي الفاضح في التعامل مع قضية تمس الأمن الاقتصادي للبلاد؟
وفي ظل كل هذا الفساد والتواطؤ، لا يمكن تجاهل أن الحكومة المصرية تتحمل مسؤولية كاملة عن هذا الوضع المتدهور. تقاعسها عن فتح الملفات المالية المتعلقة بمحمد أبو العينين، وإصرارها على تجاهل قضية مديونياته للكهرباء والبترول، يكشف عن خلل عميق في نظام الرقابة والمحاسبة.
الحكومة المصرية، التي ينبغي أن تكون حصن الدفاع عن المال العام، تبدو عاجزة تمامًا عن مواجهة نفوذ رجل أعمال يتمتع بحماية قوية من داخل النظام السياسي.
إن التواطؤ الواضح بين الشركة القابضة لكهرباء مصر ووزارة الكهرباء والحكومة المصرية لا يمكن تفسيره سوى بأنه جزء من منظومة فساد أكبر تحمي مصالح رجال الأعمال الأثرياء على حساب مصلحة الدولة والمواطنين.
في الوقت الذي يعاني فيه المواطن العادي من ارتفاع أسعار الكهرباء والغاز، يتمتع محمد أبو العينين بخدمات شبه مجانية على مر سنوات، دون أن يدفع ما عليه من مديونيات.
الملفات المتعلقة بمديونيات محمد أبو العينين وصفقاته الغامضة يجب أن تفتح فورًا، ويجب على الحكومة أن تتحرك بسرعة لاسترداد حقوق الدولة التي تم إهدارها.
الفساد المستشري في هذا الملف لا يمكن أن يستمر دون محاسبة. الشعب المصري يستحق إجابات، ويستحق أن يرى العدالة تطبق على الجميع، بغض النظر عن مكانتهم أو نفوذهم السياسي.
وإذا لم تتحرك الحكومة المصرية بسرعة لفتح هذا الملف والتحقيق في كافة التفاصيل المتعلقة بمديونيات محمد أبو العينين، فإن هذا الأمر سيظل وصمة عار في جبين النظام السياسي والاقتصادي في البلاد.
نسخ الرابط تم نسخ الرابط