ماريو بيريز *
برزت منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بسرعة كقوة لا يُستهان بها في مشهد الألعاب والرياضات الإلكترونية العالمي. الآن، أصبحت منظومة الألعاب الإلكترونية ثاني أسرع نظام نمواً على مستوى العالم، مدفوعة بزيادة قاعدة اللاعبين والاستثمارات المختلفة من الحكومات، ناهيك عن الاتجاهات المبتكرة مثل الرياضات والألعاب الإلكترونية وتطويرها. إضافة إلى تشكيل مستقبل الألعاب، تضع المنطقة نفسها مركزاً عالمياً للابتكار في مشهد الألعاب الإلكترونية ككل.
في السنوات الأخيرة، خضعت منظومة الألعاب الإلكترونية لتحول جذري، حيث أسهمت الألعاب المصممة لأكثر من لاعب، والتفاعل المتزايد بين اللاعبين، في الارتقاء بالألعاب؛ لتصبح نشاطاً اجتماعياً بدلاً من كونها نشاطاً فردياً. أدى هذا التطور إلى إضفاء الطابع التشاركي على الألعاب وجذب ملايين اللاعبين الجدد. تعمل منصات البث المباشر والواقع الافتراضي ومفهوم ويب 3 على تحسين تجارب الألعاب لتصبح غامرة أكثر مع تسهيل الوصول إليها. تسرّع كل هذه الابتكارات من تطور قطاع الألعاب الإلكترونية، وتُعدّ منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في طليعة هذا التغيير. يشهد قطاع الألعاب في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، نمواً غير مسبوق، وتركز المنطقة على وضع نفسها لاعباً رئيسياً في السوق العالمية؛ حيث من المتوقع أن تصل إيرادات سوق ألعاب الفيديو إلى 2.9 مليار دولار في عام 2028. حالياً، تُنافس قاعدة اللاعبين في المنطقة التي تبلغ 377 مليون لاعب قاعدة أوروبا والولايات المتحدة، ما يجعلها واحدة من أكثر المناطق الحيوية لنمو الألعاب.
يعود هذا النمو إلى عدة عوامل؛ أولاً، يتمتع سكان المنطقة الشباب، 55% منهم تحت سن 30 عاماً، بمهارات تقنية عالية. كما أدى انتشار الألعاب المحمولة وزيادة انتشار الإنترنت إلى تسريع النمو. تقود السعودية والإمارات هذا النمو؛ حيث تفتخر ببعض أعلى معدلات المشاركة في العالم. يشير استبيان المستهلك العالمي الذي أجرته منصة ستاتيستا إلى أن تسعة من كل عشرة بالغين في الإمارات العربية المتحدة يمارسون الألعاب الإلكترونية.
يشكل النمو السريع للمنطقة والأرباح المعفاة من الضرائب عوامل جذب لشركات الألعاب العالمية والمستثمرين، ما عزز مكانة المنطقة لاعباً رئيسياً في المشهد العالمي للألعاب الإلكترونية.
الدعم الحكومي والمبادرات الاستراتيجية
تقدّم الحكومات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الدعم الكامل لتشجيع نمو قطاع الألعاب والرياضات الإلكترونية. على سبيل المثال، تركز رؤية السعودية 2030 على تطوير قطاع الألعاب الإلكترونية كجزء من جهود البلاد لتحقيق التنويع الاقتصادي على نطاق أوسع. تهدف استراتيجية المملكة الوطنية للألعاب والرياضات الإلكترونية إلى استحداث 39,000 فرصة عمل بحلول عام 2030، والمساهمة في الاقتصاد الرقمي المتنامي للبلاد.
وفي دولة الإمارات هناك مجموعة المبادرات؛ مثل: مبادرة «أبوظبي للألعاب والرياضات الإلكترونية»، والتي تم تصميمها للارتقاء بالإبداع وتعزيز المواهب وتقديم فعاليات مختلفة للألعاب على مدار العام. ومن جهتها، تقدّم دبي، من خلال «برنامج دبي للألعاب الإلكترونية 2033»، تأشيرات إقامة طويلة الأجل لمحترفي الألعاب لرعاية مجتمع ألعاب نابض بالحياة. كما تهدف دبي إلى توفير 30,000 فرصة عمل في قطاع الألعاب بحلول عام 2033، ما يضيف مليار دولار إلى ناتجها المحلي الإجمالي. كما يجسّد «مركز الألعاب» التابع لمركز دبي للسلع المتعددة في دبي، والذي يضم نحو 100 شركة ألعاب، دور الحكومات في إنشاء بيئات تشجع الابتكار والتعاون.
في عام 2023، بلغ عدد جمهور الرياضات الإلكترونية العالمي 540 مليون متابع. لعبت منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا دوراً محورياً في هذا النمو. أصبحت السعودية لاعباً رئيسياً في هذا المجال، حيث استضافت كأس العالم للرياضات الإلكترونية هذا العام، وتستعد لاستضافة أولمبياد الرياضات الإلكترونية في عام 2025. إضافة إلى ذلك، تعمل الفعاليات الهادفة، مثل «جيمرجي» (GAMERGY)، المقرر إطلاقه لأول مرة في القاهرة في أوائل عام 2025، على تعزيز مكانة المنطقة في مشهد الرياضات الإلكترونية. تسلط هذه التطورات الضوء على التأثير العالمي المتزايد لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مشهد الرياضات الإلكترونية، مدفوعاً بالاستثمار المتزايد وقاعدة اللاعبين سريعة التوسع.
تأتي 60% من عائدات الرياضات الإلكترونية العالمية من عقود الرعايات الرياضية، ما يجعل منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في وضع جيد للاستفادة من هذه السوق المزدهرة. تواصل الدوريات الاحترافية والبطولات الدولية في الانتشار والازدهار، وتتعاون العلامات التجارية العالمية مثل كوكاكولا وتويوتا وأمازون بشكل متزايد مع فرق وهيئات الرياضات الإلكترونية المحلية، ما يوفر رعايات رياضية تغذي نمو القطاع.
ولا يمكننا تجاهل الدور الكبير للاستوديوهات والمطورين المحليين في إنشاء محتوى يعكس ثقافة وقيم المنطقة، مع إصدارات للألعاب باللغة العربية لتلبية احتياجات السوق المتنامية.
أحدث البث المباشر نقلة نوعية في كيفية استهلاك الأشخاص للألعاب الرياضية، وتوفير فرص كبيرة للمشاركة والمشاهدة. أدى صعود الدوريات والفرق واللاعبين المحترفين إلى دفع مشهد الرياضات الإلكترونية إلى الأمام، ما جعل الألعاب جزءاً لا يتجزّأ من مشهد الترفيه في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. الآن، أصبحت المهن المتعلقة بالألعاب بدوام كامل حقيقة واقعة؛ حيث يحقق اللاعبون مكاسب مادية من خلال البث المباشر وجوائز البطولات والمنتجات.
هناك حاجة ملحّة إلى تشكيل هيكل إداري متماسك لتنظيم الألعاب وخلق مشهد تنافسي موحد، مثل منافسة مينا تك السنوية للرياضات الإلكترونية الجامعية، والتي تستضيف بطولات متعددة الألعاب لطلاب الجامعات في المنطقة.
حتى الآن، لا يزال تحقيق الربح يشكل تحدياً مُعتبراً، حيث يُنظر إلى الرياضات الإلكترونية غالباً على أنها أداة تسويقية وليست قطاعاً مربحاً. ينبغي النظر إلى تعزيز التعاون والتنظيم وتقاسم الإيرادات بوصفها المفتاح لإطلاق العنان لإمكانات الألعاب الإلكترونية في المنطقة. تعمل التقنيات المبتكرة، مثل الرموز غير القابلة للاستبدال (NFTs)، ميتافيرس وبلوك تشين على فتح آفاق جديدة لتحقيق الربح.
يعتمد مستقبل الألعاب الإلكترونية إلى حد كبير على التقدم التكنولوجي وعدد من الاتجاهات الرئيسية. تشمل هذه الاتجاهات انتشار الألعاب الرياضية الإلكترونية القائمة على اللياقة البدنية، والتحولات التي يقودها الذكاء الاصطناعي، وعودة انتشار الأجهزة المحمولة للألعاب. كما سيكون للتقنيات الناشئة، مثل الواقع المعزز والواقع الافتراضي دور مهم، خاصة مع تطوير الواقع الممتد، الذي يمزج بينهما، ما يطمس الخط الفاصل بين العالمين المادي والافتراضي.
مع الدعم الحكومي القوي، وزيادة مشاركة اللاعبين، ونمو مشهد الرياضات الإلكترونية، تسير منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا على الطريق الصحيح لتصبح رائدة عالمية في مشهد الألعاب الإلكترونية. ومع استمرار المنطقة في الاستثمار في التكنولوجيا والبنية الأساسية، فمن المؤكد أن تأثيرها في الساحة العالمية للألعاب سيواصل النمو بصورة مطردة. يبدو مستقبل الألعاب الإلكترونية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا واعداً بشكل كبير، ولا يمكن إنكار إمكاناتها في تشكيل مستقبل القطاع.
* الرئيس التنفيذي لشركة مينا تك (التابعة لشركة GGTech للترفيه)