تعود الأنشطة الثقافية الحقيقية إلى إقليم وسط الصعيد الثقافي في خطوة تتيح للمجتمع المحلي في محافظات أسيوط وسوهاج والمنيا والوادي الجديد إعادة اكتشاف مجالات الثقافة والفنون بعدما شهدت تلك الأنشطة تراجعًا غير مبرر في ظل الإهمال الكبير من قبل وزارة الثقافة والهيئة العامة لقصور الثقافة.
لا يزال الشارع الثقافي في تلك المناطق يعاني من تبعات غياب الدعم الكافي والمتابعة الجادة للأنشطة التي تلعب دورًا رئيسيًا في بناء الشخصية الثقافية للأجيال القادمة.
فقد تسببت سياسة الفساد التي اتبعتها الإدارة السابقة تحت إشراف ضياء مكاوي في قتل أي محاولة للنهوض بالأنشطة الثقافية الجادة، فكان التراجع واضحًا في مستوى الفعاليات وفي حضور الأنشطة التي لا تليق بحجم هذه المناطق الثقافي، الأمر الذي ضاعف من تعميق الأزمة التي تواجه الثقافة في إقليم وسط الصعيد.
أعادت إدارة ثقافة القرية بفرع ثقافة سوهاج تقديم أولى الأنشطة الثقافية بعد إقالة ضياء مكاوي من منصبه كمدير عام لفرع ثقافة أسيوط، ليصبح جمال عبد الناصر هو المسؤول عن تسيير الأعمال في إقليم وسط الصعيد الثقافي.
يعد جمال عبد الناصر واحدًا من أبرز أبناء الثقافة الذين يحملون رسالة الفن والإبداع بكل صدق وأمانة. فقد نشأ وتربى في قصر ثقافة أحمد بهاء الدين بأسيوط، الذي يعد منارة للثقافة للأطفال، وتدرج في المناصب الثقافية حتى شغل منصب مدير عام إقليم وسط الصعيد الثقافي.
تميز عبد الناصر برؤيته العميقة والهادفة للمشهد الثقافي المحلي، والتي تجلت في إصراره على تنظيم الأنشطة الثقافية التي تجمع الناس في جو من الإبداع والمشاركة.
تمكن فرع ثقافة سوهاج، الذي أشرف عليه أحمد فتحي، من إقامة نشاط ثقافي هام في قرية نزة الحاجر بمركز جهينة، وهو نشاط تميز بوجود رموز ثقافية كبيرة على رأسهم الدكتورة عتاب عادل، وهي إحدى القيادات الثقافية الواعدة في سوهاج.
الدكتورة عتاب عادل، التي تربت في أحضان الثقافة منذ عدة سنوات بفرع ثقافة سوهاج، كانت قد تعرضت للتهميش من قبل ضياء مكاوي، الذي أصر على تقليل دورها على الرغم من كفاءتها العالية وحصولها علي درجة الدكتوراه في اللغة العربية.
ورغم محاولات مكاوي لفرض سيطرته على الأنشطة الثقافية، إلا أن عتاب عادل أثبتت جدارتها وتقديرها لشؤون الثقافة في إقليم وسط الصعيد، حتى وصلت إلى منصب مدير قصر ثقافة الكوثر بسوهاج سابقا. ورغم هذا التقدير المستحق، تم إحاطتها بالمشاكل والعوائق من خلال فساد ضياء مكاوي، الذي لا يزال يشغل منصب استشاري إدارة عامة بفرع ثقافة أسيوط.
أكدت الدكتورة عتاب عادل في حديث لها حول النشاط الثقافي الأخير في دوار العمدة فتحي الناظر بقرية نزة الحاجر، أنه كان من الضروري إحداث تفاعل بين الثقافة وأبناء القرى النائية ليشعروا بعلاقة حية مع الفنون والآداب.
فقد سعى العمدة جمال أبو الفضل أبو عالية لفتح أبواب الثقافات في القرية، وجعل الأنشطة الثقافية جزءًا من حياتهم اليومية، وأتاح الفرصة للنساء اللواتي لم يكن لهن فرصة المشاركة في الأنشطة داخل الأماكن المغلقة.
تجمع الجميع في الهواء الطلق لتدب الروح في هذا النشاط الثقافي، حيث تفاعلت الأطفال مع الحضور من خلال الرقص والغناء، في مشهد يعكس مدى تفاعلهم مع التراث الشعبي والديني.
وأضافت عتاب عادل، أنها لم تكن لتنجح في هذا النشاط لولا وجود دعم المجتمع المحلي ورؤية العمدة في تعزيز الحياة الثقافية بين الأهالي.
كما استمتع الحضور بمحاضرة اجتماعية من الدكتور فنجاري أبو غالب في ليلة ثقافية كانت مليئة بالتفاعلات الاجتماعية والحوار الثقافي، إذ أظهر الجميع تجاوبًا قويًا مع الرسائل التي تم طرحها.
لم تقتصر الأنشطة على المحاضرات فقط بل شهدت أيضًا تقديم عروض شعرية وأنشودة دينية من مجموعة من الشعراء الموهوبين، مثل رمضان عبد اللاه الأخميمي وعبد الناصر عبد المولى ومحمود رشاد محمد، الذين أسهموا بشكل كبير في إثراء الليلة الصعيدية.
كانت السهرة أمام دوار العمدة بقرية نزة الحاجر بمثابة نموذج ثقافي يحتذى به في مناطق أخرى. لكن السؤال الذي يبقى مطروحًا هو لماذا لا تتكرر هذه الأنشطة في كل مكان في مصر؟
ولماذا لا تحظى المناطق الأخرى بتلك الفرص الثقافية؟ ألم يكن من الواجب أن تقوم وزارة الثقافة وهيئة قصور الثقافة بدور أكبر في تفعيل الأنشطة الثقافية في مختلف أنحاء البلاد؟
لا شك أن الوضع الحالي يحتاج إلى خطوات جادة لإعادة الاعتبار للثقافة في إقليم وسط الصعيد، والتأكد من أن الأنشطة الثقافية ليست مجرد فعاليات موسمية أو تجميلية، بل جزء لا يتجزأ من النسيج المجتمعي والتربوي في تلك المناطق.
نسخ الرابط تم نسخ الرابط