تتطلب الأزمة الحالية في قطاع الكهرباء والطاقة المتجددة، التي بلغت ذروتها بسبب فشل بعض القيادات في إدارة الأزمات وتحقيق التنمية، ضرورة إعادة النظر بشكل جذري في مجريات الأحداث المتتالية.
يجب على صناع القرار في الوزارة والشركات القابضة لكهرباء مصر، خاصة منذ تولي المهندس محمود عصمت المسؤولية، اتخاذ خطوات حاسمة لتغيير الواقع الحالي الذي أصبح لا يُطاق نتيجة لعدة مظاهر سلبية، أبرزها فساد بعض القيادات، وتهميش الكفاءات، وانتشار سياسة المجاملات، إلى جانب التلاعب بالأرقام والنتائج.
تعد سياسة بيع الوهم، التي اتبعها البعض في إدارة قطاع الكهرباء، من أبرز أسباب تدهور الأوضاع. فقد ظهر جليًا أن هناك من حاول الترويج لنجاحات وهمية، متلاعبًا في الأرقام والنتائج لخلق صورة مشرقة غير حقيقية عن القطاع. لكن، في الواقع، كانت النتائج كارثية في عدة شركات مثل شركات شمال وجنوب الدلتا للتوزيع، والقناة، وجنوب وشمال القاهرة، والإسكندرية.
هذه الشركات عانت من فشل في تنفيذ المهام الرئيسية، وتدهور في مستوى الخدمات المقدمة للمواطنين، مما أدى إلى تفاقم المشاكل وزيادة الاحتقان الداخلي.
يجب على المسؤولين أن يدركوا أن المرحلة الحالية تتطلب استراتيجيات جديدة وخطط عمل تركز على بناء كوادر شابة ومؤهلة. فمع تزايد التحديات التي تواجه القطاع، أصبحت الحاجة ملحة لإيجاد قيادات قادرة على التفكير الجماعي والتنفيذي في إطار مؤسسي منظم.
يتعين على الوزارة والشركات القابضة تجنب سياسة “الصوت الواحد” التي تسيطر عليها قيادات فردية تعمل على فرض إرادتها الخاصة دون النظر إلى المصالح العامة أو تطوير العنصر البشري.
بدأت علامات التحسن تظهر، ولكنها ليست كافية. فالتغيير المطلوب يجب أن يشمل جميع جوانب العمل، بدءًا من اختيار القيادات مرورًا بتغيير السياسات المعتمدة في اختيار المناصب القيادية، وحتى تحسين المعايير التي يتم على أساسها تقييم الأداء.
يترتب على هذه التحولات أن يتم تحفيز الشباب والمهندسين والفنيين المؤهلين لأخذ زمام المبادرة في التصعيد الإداري، وتقديم فرص عادلة لتولي المناصب القيادية في الشركات، بعيدًا عن المجاملات أو المحاباة.
لا شك أن هناك العديد من النماذج المضيئة في القطاع الكهربائي، ولكنها ظلت مغيبة عن مواقع القيادة بسبب سياسة تجريف الكفاءات التي اتبعتها الشركة القابضة لكهرباء مصر منذ تولي المهندس جابر دسوقي منصب رئيس الشركة القابضة في 2012، حيث تم استبعاد العديد من العناصر التي أظهرت كفاءة واضحة في إدارة العمل.
وقد أظهرت الوقائع الأخيرة أن سياسة “بيع الوهم” هذه كان لها أثر كبير في تدني مستوى الأداء داخل العديد من الشركات.
ولهذا، بات من الضروري إعادة تقييم هذا النظام الذي أدى إلى فقدان الثقة بين القيادات والموظفين، وأدى إلى تدهور الأداء في العديد من المناطق.
تستدعي الظروف الراهنة ضرورة اتخاذ قرارات حاسمة لتحسين الوضع العام، وتحديدًا في مجال الرقابة والمتابعة، حيث كانت هذه الأمور في السابق على هامش الاهتمام. لا بد من تغيير جذري في طريقة تقييم الأداء، بحيث يتم التركيز على الكفاءات القادرة على مواجهة التحديات الحقيقية التي يمر بها القطاع، ويجب محاسبة من يثبت تقاعسه في أداء المهام، كما يجب التخلص من الظواهر السلبية التي أدت إلى تدهور الوضع الحالي.
كما أن هناك حاجة لتطوير سياسات التدريب والتأهيل، من خلال تقديم فرص لتدريب الكوادر الشابة، وإعطائهم الفرصة للظهور في المواقع القيادية.
فإعداد جيل جديد من الكوادر القادرة على التصدي للمشاكل المتراكمة في قطاع الكهرباء والطاقة المتجددة بات ضرورة لا غنى عنها. يمكن لهذه الكوادر الشبابية أن تساهم في تقديم حلول مبتكرة للتحديات التي يواجهها القطاع.
يجب أن تتغير معايير الاختيار والتعيين للوظائف القيادية بحيث يكون أساس الاختيار هو الكفاءة والقدرة على الإبداع وليس الولاء أو المجاملات.
من الضروري أن يتكاتف الجميع تحت مظلة رؤية واحدة تهدف إلى تحقيق مصلحة القطاع والمجتمع بشكل عام. يتحقق ذلك من خلال الشفافية والعدالة في توزيع المناصب والفرص.
الوزير محمود عصمت يقع عليه عبء كبير في هذه المرحلة الحاسمة. فإطلاق العنان للكفاءات الشابة، وتغيير النظام الحالي، يعد بمثابة خطوة أولى نحو بناء وزارة كهرباء أكثر حداثة وفاعلية.
يتعين عليه أن يعمل على بناء بيئة تنظيمية جديدة تشجع على الابتكار وتتيح الفرصة لجميع الموظفين في القطاع لإثبات قدراتهم وتحقيق الأهداف المنشودة.
فإن التغيير في قطاع الكهرباء والطاقة المتجددة أصبح ضرورة ملحة، ولا يمكن تأجيله أكثر. يجب على القيادات أن تتحلى بالشجاعة اللازمة لاتخاذ قرارات جريئة وإستراتيجية تهدف إلى تحقيق تطوير مستدام في القطاع، وتوفير بيئة عمل مناسبة للكفاءات الشابة، وإعادة الثقة بين الوزارة والشركات التابعة لها.
نسخ الرابط تم نسخ الرابط