يستمر قطاع البترول المصري في الانحدار بشكلٍ غير مسبوق في ظل تقاعس وفساد هيئات الوزارة والشركات التابعة لها، حيث تبقى الأزمات المالية المتراكمة دون حلول جدية، بينما تتوالى وقائع الفساد والإهدار للمال العام.
تصرفات الوزارة الحالية تشير إلى نوع من التفريط في إدارة المال العام، دون مراعاة للظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد.
تُنفِق وزارة البترول مليارات من الجنيهات في سفريات وفعاليات غير مُجدية مثل مؤتمر إديبك 2024، بالرغم من قيام وزارة البترول في مصر باتخاذ إجراءات تقشفية مشددة، إلا أنها في المقابل تتبنى سياسة إنفاق مفرط على المشاركة في مؤتمر “إديبك 2024” الذي عقد في الإمارات من 4 إلى 7 نوفمبر الماضي.
كيف يمكن تفسير هذا التناقض؟ فقد تم إنفاق ملايين الدولارات على سفر أكثر من 150 قيادة من الوزارة وهيئاتها وشركاتها بمختلف مستوياتها، بينما تستمر الوزارة في تقليص دعم الشركات الحكومية للبترول، وتستدعي فرض التقشف لتغطية نقص استثمارات الشركة العامة للبترول.
في وقت عانت فيه الوزارة من شح في العملة الأجنبية، يثير هذا الإنفاق البذخي تساؤلات حول أولويات الوزارة وأهداف هذا السفر المكلف.
الإنفاق على “إديبك” وتأثيره على الاقتصاد المصري
ما تأثير حضور 150 من كبار المسؤولين في وزارة البترول لهذا المؤتمر الدولي على الاقتصاد المصري؟ هل يسهم هذا النوع من الإنفاق في تعزيز مكانة قطاع البترول أم يمثل عبئًا على خزينة الدولة؟
في السنوات السابقة، كان يشارك عدد قليل من القيادات في مثل هذه المؤتمرات، ولكن مع تولي المهندس طارق الملا منصب وزير البترول، تغيرت هذه السياسة بشكل جذري، ليصبح السفر إلى المؤتمرات واجبًا على قيادات الوزارة.
والآن، مع تولي المهندس كريم بدوي، الذي جاء من خلفية في شركة بترول أجنبية، تتسارع هذه الظاهرة. لم يعد يُمكن تبرير هذا الإنفاق الكبير بحجج تتعلق بمصلحة مصر أو تعزيز الاقتصاد الوطني.
الوزير الجديد: هل ينجح في معالجة أزمات القطاع؟
مرّت أكثر من 180 يومًا منذ تولي المهندس كريم بدوي مسؤولية وزارة البترول، إلا أن القطاع لا يزال يعاني من تحديات كبيرة.
هل نجح بدوي في كبح مراكز القوى داخل الوزارة، والتي كانت تمسك بزمام الأمور على مدار سنوات طويلة؟ وكم من النتائج الملموسة حققها الوزير في هذا الشأن؟ هذه المراكز، التي تضم شخصيات مثل رئيس إدارة الاتصالات، الذي يعد من تلامذة إبراهيم خطاب، ومساعد الوزير، الذي يتحكم في العديد من الملفات القانونية، لا تزال تؤثر في قرارات الوزارة بشكل كبير.
بالإضافة إلى ذلك، يتسائل الجميع عن مدى تأثير السياسات المالية التي أرساها أشرف عبدالله، نائب رئيس هيئة البترول للشئون المالية سابقًا، والتي تسببت في تدهور أوضاع الهيئة.
القطاع في مفترق طرق: هل ستتحقق رؤية الوزير؟
مع توالي الاجتماعات واللقاءات الخارجية التي يعقدها وزير البترول، تثار العديد من التساؤلات حول مدى جدوى هذه الجولات في تحقيق نتائج ملموسة للقطاع.
هل تنعكس هذه الجولات في تحسن الأداء الفعلي للوزارة؟ وما هي الخطط الفعلية التي يمتلكها الوزير للتوسع في أنشطة البحث والاستكشاف وتطوير معامل التكرير المتقادمة؟ وهل سيتم تنفيذ خطط جديدة لتقليص استيراد الغاز الطبيعي، الذي يُستنزف من خزينة الدولة بنحو 7.7 مليون دولار يوميًا؟
هذه الأسئلة تثير القلق بين الكثيرين الذين يرون أن الوزارة تتجه نحو مزيد من التفريط في الموارد الوطنية، بينما تستمر أزمة توفير الغاز الطبيعي في ظل تزايد الاستهلاك.
الفساد في التعيينات والترقيات: مافيا العائلات تسيطر
تواصل وزارة البترول التلاعب في ملف التعيينات والترقيات، حيث يتم تعيين الأقارب والمحاسيب في المناصب العليا بشركات القطاع، بغض النظر عن الكفاءة.
يتحدث الموظفون داخل الشركات عن التعيينات الأخيرة التي تمت من خلال شركات مثل “صان مصر” و”بترومنت” و”تنمية”، حيث تم منح عمالة فنية جديدة من “الطائفة العائلية” لقيادات الوزارة.
كما يُقال إن بعض المديرين الحاليين في الوزارة قد قاموا بتعيين أبنائهم وأقاربهم في وظائف كانت مخصصة للعمالة اليومية.
من المسؤول عن هذه الممارسات؟
إبراهيم خطاب، أحد كبار قيادات الوزارة، هو مثال آخر على كيفية استغلال النفوذ لتوزيع المناصب. ففيما يشهد العديد من القطاعات تراكمًا في التعيينات غير العادلة، يُتّهم خطاب بتعيين نحو 70 من أقاربه في شركة جاسكو للغاز.
هذا النوع من المحاباة يثير الغضب بين موظفي الوزارة، ويُنظر إليه على أنه فساد مستمر في قطاع حيوي، كان من المفترض أن يكون نموذجًا يُحتذى به في النزاهة والعدالة.
هل يستمر إهدار المال العام؟
من غير المقبول أن يتم تكريس سياسة التعيينات على أساس المحاباة في الوقت الذي تعاني فيه الوزارة من نقص حاد في الإيرادات.
يشير تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات إلى أن وزارة البترول تعاني من إهدار مالي قيمته 93 مليار جنيه، ويطالب بمحاسبة المسؤولين عن ذلك.
على الرغم من نجاحات الوزارة في مجال اكتشافات الغاز، إلا أن الفساد في التعيينات والترقيات يزيد من تعقيد الأوضاع، ويضعف القدرة على اتخاذ قرارات فاعلة لصالح القطاع.
الفساد في التعيينات: قضية تثير الغضب العام
يجب على وزير البترول المهندس كريم بدوي أن يتحمل المسؤولية عن القضاء على هذه الظواهر السلبية، وأن يتخذ خطوات جادة لضمان تكافؤ الفرص لجميع العاملين في الوزارة.
تعيين الموظفين بناءً على معايير الكفاءة، لا على أساس المحاباة، أمر ضروري لضمان تعزيز الإنتاجية وتحقيق الرؤية المستقبلية لقطاع البترول. لا يمكن للوزارة الاستمرار في هذا النهج الذي يعمق الفجوة بين العاملين في الوزارة، ويعرقل التقدم.
على الرغم من التحديات التي تواجه قطاع البترول، إلا أن المستقبل يمكن أن يكون أكثر إشراقًا إذا تم اتخاذ قرارات شجاعة وشفافة. يتعين على وزير البترول أن يقود القطاع نحو التقدم من خلال تبني سياسات تستند إلى الكفاءة والعدالة.
فقد أصبح من الواضح أن هذا القطاع يعاني من فساد مستشري يُعرقل تقدمه، ويُهدِر المال العام بلا أدنى مسؤولية.
السؤال الذي يطرح نفسه هو: إلى متى سيظل هذا الوضع قائمًا في ظل غياب الإرادة السياسية الفعّالة لإصلاح القطاع؟ كما يجب على الحكومة أن تتخذ إجراءات عاجلة للحد من الفساد المستشري داخل الوزارة.
إن الأرقام التي تشير إلى حجم التدهور في الإنتاج والاستيراد، والتي تعكس هدرًا غير مبرر للموارد، يجب أن تكون حافزًا للقيام بإصلاحات حقيقية تضمن توفير الغاز الطبيعي وتخفيف العبء على المواطن المصري.
إنَّ الوقت قد حان لتحمل المسؤولية أمام الشعب المصري، ووضع حد لهذه الممارسات الفاسدة التي تهدد مستقبل القطاع، بل ومستقبل الاقتصاد المصري بشكلٍ عام. يجب على الحكومة أن تتخذ إجراءات صارمة ضد الفساد وتوفير بيئة عمل تنافسية في جميع قطاعات وزارة البترول.
نسخ الرابط تم نسخ الرابط