يتصدع الواقع المصري أمام أعين الجميع ويثبت أن التفاؤل الذي يروج له البعض ليس إلا أداة لتغطية عيوب سياسة فاشلة رغم محاولات التجميل الدائم للصور الاقتصادية والاجتماعية التي لا ترقى إلى مستوى الواقع المرير ففي نهاية عام 2024 أظهرت الإحصائيات أن 61% من المصريين لا يزالون يعلقون آمالهم على عام 2025 معتقدين أن القادم سيكون أفضل بينما تنبئ البقية بنهاية قاسية لا تقتصر على التدهور بل تدفع مصر إلى حالة أسوأ مما هي عليه
في المقابل يرى 10% من الشعب المصري أن الوضع في عام 2025 سيكون أسوأ من العام الذي قبله ولا يحتاج هؤلاء إلى الكثير من الأدلة لإثبات صحة رؤيتهم فهم يعيشون كل يوم في ظروف معيشية ضاغطة يكتوون بنار الأسعار التي تلتهم قوتهم ويشاهدون تراجع الاقتصاد في جميع المجالات بينما يشهدون هروب الاستثمارات وتوقف المشاريع الكبرى بسبب الأزمات المستمرة والفشل الذريع في مواجهة التحديات الاقتصادية الكبيرة التي تحاصر البلاد من جميع الاتجاهات
الأسوأ من ذلك أن 7% من المصريين يتوقعون أن يكون عام 2025 مجرد امتداد لبؤس 2024 هذا الرقم يبدو صغيراً لكنه يكشف عن حقيقة مريرة وهي أن هناك فئة واسعة باتت تشعر بالعجز أمام محاولات التغيير الفاشلة ومن ثم لم يعد لديها أمل في أي شيء فالسنة القادمة بالنسبة لهم لا تحمل سوى المزيد من الجفاف على مستوى الآمال والطموحات مما يجعل المستقبل قاتماً بشكل متسارع هذا التوقع يثير القلق والتساؤلات حول مدى القدرة على التأقلم مع الظروف الاقتصادية والسياسية التي أثقلت كاهل المواطن المصري
من المؤسف أن العديد من هذه النسب تتوافق مع الانخفاض الملحوظ في معايير الحياة الأساسية التي لطالما كانت تمثل ركائز الأمل للمواطنين فالغالبية العظمى من الشعب لا تزال في انتظار وعود الحكومة بتحقيق استقرار اقتصادي يوفر لهم حياة كريمة ولكن في ظل الأوضاع الحالية يصبح التساؤل عن جدوى هذه الوعود المشكوك في صحتها
تبدأ الصورة الكارثية من القفزات غير المسبوقة في الأسعار التي ابتلعت كل شيء من السلع الأساسية إلى المنتجات الاستهلاكية الضرورية فتجد المواطن يكافح للحصول على لقمة العيش وسط غلاء فاحش وزيادات في تكاليف الحياة اليومية التي لا تقابلها أي زيادة حقيقية في الأجور ما يعمق حالة من الإحباط العام وعدم القدرة على التأقلم مع الظروف في ظل انعدام الأمن الوظيفي والتضخم المستمر الذي لا يرحم
وتتوالى الأزمات الاجتماعية التي تزداد تفاقمًا مع مرور الوقت حيث يعاني قطاع التعليم من انهيار متسارع في مستوى الجودة وتدهور مروع في البنية التحتية للمدارس بينما يواجه قطاع الصحة كارثة متمثلة في تدهور خدمات المستشفيات العامة وعدم القدرة على توفير الأدوية والاحتياجات الطبية الضرورية للمواطنين الذين باتوا يواجهون مصيرهم في نظام صحي يكاد يكون عاجزًا عن تلبية أبسط احتياجاتهم
من جهة أخرى يواجه القطاع العقاري تراجعًا كبيرًا في حجم المشاريع بسبب تزايد أسعار مواد البناء التي تؤدي إلى تفاقم أزمة الإسكان الأمر الذي يترك ملايين المصريين في دوامة من التهميش والعجز عن امتلاك مسكن آمن في ظل نقص حاد في عدد الوحدات السكنية في مقابل طلب متزايد للغاية من فئات المجتمع المختلفة التي تحاول الحفاظ على حقوقها في الحياة في وطن يفترض أن يوفر لهم احتياجاتهم الأساسية
وإذا أردنا التحدث عن قطاع السياحة فإنه رغم محاولات الحكومة الترويج له كأحد المحركات الاقتصادية الكبرى فإن النتائج تأتي مخيبة للآمال فالقطاع يعاني من عزوف الزوار بسبب عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي وكذلك تراجع مستوى الخدمات السياحية الأمر الذي يؤثر سلبًا على عائدات الدولة من العملة الأجنبية ويزيد الضغط على الوضع الاقتصادي العام الذي يعاني من نقص حاد في الموارد التي يمكن أن تساهم في مواجهة هذا الركود
على الرغم من محاولات الحكومة لتقديم حلول ترويجية وإعلانات تدعي حدوث تحسن اقتصادي فإن هذه التصريحات لا تقابلها حقائق على الأرض بل إن الكثير من الخبراء الاقتصاديين يعتبرون أن مصر تسير في الاتجاه الخاطئ وأن الخطط التنموية التي تم الإعلان عنها لم تحقق الأهداف المرجوة بل على العكس من ذلك فقد تسببت في تدهور الأوضاع بشكل أكبر حيث لم تواكب تلك الحلول التغيرات السريعة في المشهد الاقتصادي العالمي وظلت محلك سر في أغلب القطاعات التي كان يمكن أن تكون قادرة على إنقاذ الاقتصاد المصري
في هذا السياق نجد أن التوقعات بشأن عام 2025 تؤكد أن الأزمات ستكون أكثر عمقًا إذا لم يتم إجراء تغييرات جذرية في السياسة الاقتصادية والاجتماعية فالتحديات الحقيقية تتطلب إرادة حقيقية للتغيير تتجاوز شعارات التحسين والتحفيز الاقتصادية التي لطالما تداولتها الحكومات في السنوات الأخيرة ويبقى السؤال الأهم هل سيكون عام 2025 بداية لتحسين الوضع الاقتصادي والسياسي في مصر أم أنه سيكون عامًا آخر من الإخفاقات التي لن تنتهي
وبينما يظل الشعب المصري ينتظر تحسنًا ملموسًا فإن السنوات الماضية قد شهدت من التدهور ما يعجز عن تحمله أي مجتمع فالواقع الحالي ينبئ عن حقائق كارثية تكشف عن معاناة شديدة وآمال مكسورة فيما يخص حياة المواطنين ومستقبلهم في ظل غياب أفق حقيقي للتغيير
نسخ الرابط تم نسخ الرابط