ريتشارد هيداريان*
في الشهر الماضي، وجه دونالد ترامب، الرئيس المنتخب للولايات المتحدة، تحذيراً شديد اللهجة إلى مجموعة بريكس، حيث قال: «نطالب هذه الدول بالالتزام بعدم إنشاء عملة جديدة لبريكس أو دعم أي عملة أخرى لتحل محل الدولار الأمريكي القوي، وإلا ستواجه تعريفات جمركية بنسبة 100% ويجب أن تستعد لفقدان قدرتها على البيع في الاقتصاد الأمريكي الرائع».
ولكن خطاب ترامب بدا كأنه يحمل قدراً من المبالغة. وبدايةً، أعلنت الهند، العضو في «بريكس»، أنها تبتعد عن فكرة إنشاء عملة مشتركة جديدة. إضافة إلى ذلك، تواجه «بريكس» انقسامات عميقة حول العديد من القضايا، التي تتفاقم أحياناً بسبب النزاعات الحدودية بين الصين والهند. وفي الوقت نفسه، يبقى الدولار الأمريكي العملة المهيمنة في التجارة العالمية دون وجود بديل جاد في الأفق.
ومع ذلك، تتحول مجموعة بريكس الموسعة تدريجياً إلى منصة قوية تمثل تطلعات القوى الصاعدة نحو نظام دولي أكثر تعددية. ومع توقع جولات جديدة من الحروب التجارية والسياسات المزعزعة في ظل إدارة ترامب الثانية، من المرجح أن تعزز «بريكس» التعاون التجاري والاستراتيجي بين أعضائها لتقليل المخاطر الناتجة عن تجاوزات الولايات المتحدة.
على مدى العقود الماضية، ناقش الكثير من المحللين ما يعتبرونه تراجعاً للولايات المتحدة كقوة عظمى. ولكن على الرغم من التحديات، تظل أمريكا قوة عظمى عالمية، خاصة في المجال المالي. وتتفوق الشركات الأمريكية الكبرى بشكل كبير على نظيراتها العالمية من حيث القيمة السوقية، كما حافظت الولايات المتحدة على حصة كبيرة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي لعقود.
ويسهم الاقتصاد الأمريكي بحوالي ربع الإنتاج الاقتصادي العالمي، كما أن الدولار الأمريكي مسؤول عن حوالي 90% من معاملات الصرف الأجنبي العالمية. وهذا النفوذ الاقتصادي يمنح الولايات المتحدة قدرة كبيرة على التأثير عالمياً، ما يمكنها من تمويل ديون ضخمة، والبقاء منافسة في القطاعات المتقدمة، وفرض عقوبات على الدول المنافسة.
لكن كما أشار المؤرخ بول كينيدي في كتابه «صعود وسقوط القوى العظمى»، فإن تراجع الإمبراطوريات غالباً ما يكون نتيجة ممارسات اقتصادية غير مستدامة. هنا يأتي دور ترامب، الذي وعد بمضاعفة سياساته المزعزعة إذا عاد إلى منصبه.
وعلى الرغم من خطابه التصعيدي، لم تحقق فترة ترامب الأولى نجاحات دبلوماسية ملحوظة. لم تخضع إيران لحملته «الضغط الأقصى»، ولم تستجب كوريا الشمالية بشكل إيجابي لسياسة التقارب. وفي مواجهة سياساته، أبدى الحلفاء الأوروبيون مقاومة لضغوطه بشأن الدفاع وقضايا المناخ، بينما رفضت الصين تقديم تنازلات كبيرة تتجاوز الاتفاقيات الشكلية.
وإذا استمر ترامب في فرض تعريفات جمركية ضخمة على الشركاء التجاريين الرئيسيين وفرض عقوبات على الخصوم، فإن ذلك قد يساهم في تراجع الولايات المتحدة بشكل أكبر. هذه السياسات قد تؤدي إلى انهيار الاقتصاد العالمي وزيادة التضخم داخلياً، ما يهز الثقة بالدولار كعملة احتياطية عالمية.
وفي الوقت نفسه، من المرجح أن تستغل «بريكس» هذه الفرصة لتعزيز التعاون بين أعضائها.
وقد توسعت المجموعة مؤخراً لتشمل دولاً مثل الإمارات وإثيوبيا، وإيران، ومصر، ودول أخرى مثل تركيا، وفيتنام، وإندونيسيا، والسعودية، وماليزيا أبدت اهتماماً بالانضمام.
في السنوات المقبلة قد نرى توسعاً في الآليات التي تتبناها دول «بريكس» لتجنب العقوبات الأمريكية. على سبيل المثال، يتم الآن معظم التجارة الروسية مع الصين والهند باستخدام العملات المحلية، ما يعكس الزخم المتزايد للتخلص التدريجي من الاعتماد على الدولار في التجارة العالمية.
و من المرجح أن تصبح مجموعة بريكس منصة لمقاومة السياسات الأحادية الأمريكية ونقطة انطلاق نحو نظام عالمي أكثر تعددية. قد يبدو الدولار الأمريكي والولايات المتحدة لا يقهران في الوقت الحالي، ولكن كما قال إرنست همنغواي، الإفلاس يحدث تدريجياً، ثم فجأة.
* أكاديمي وأستاذ في العلوم الجيوسياسية في جامعة بوليتكنيك الفلبين