د. عبدالعظيم حنفي*
وفقاً لصندوق النقد الدولي، ستظل توقعات النمو على المدى المتوسط للاقتصادات المتقدمة من دون تغيير، على الرغم من توقع انتعاش الاستثمار وتحسن الإنتاجية. أما بالنسبة إلى الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية، فلا تزال آفاق النمو لديها ضعيفة مقارنة بتوقعات الصندوق، وأدنى بكثير من المستويات المتوقعة قبل الجائحة. كما أن التباطؤ المتوقع في اقتصادات الأسواق الناشئة والنامية يشير إلى أن عملية تقليص فجوة الدخل بين الدول الفقيرة والغنية ستستغرق وقتاً أطول.
في مثل هذه الأوقات، يمكن أن يستوحي صناع السياسات الحل من كلمات شاعر أمريكي شهير، هو أوليفر وندل هولمز الأب الذي قال ذات مرة: «الوصول إلى الميناء يتطلب الإبحار مع الريح في بعض الأحيان وضدها في أحيان أخرى – لكن علينا الإبحار، وليس الانسياق مع الريح ولا البقاء منتظرين. ومن ثم ترى دراسات اقتصادية أننا بحاجة إلى إدارة المخاطر وتعجيل الإصلاحات، وتحديث النظام متعدد الأطراف. أو بالتعبير المستخدم في عالم الملاحة، نحتاج إلى توجيه السفينة، وليس الانسياق مع الريح.
ويمكن القيام بهذا عبر معالجة عدد من التحديات:
أ) بناء نظام تجاري عالمي أفضل، بتعبير بسيط، ينبغي أن تعمل البلدان معاً لبناء نظام تجاري عالمي أكثر قوة وإنصافاً وملاءمة للمستقبل. لأن قطع سلاسل القيمة العالمية يمكن أن يقود إلى أثر مدمر على كثير من البلدان، ويمكن أيضاً أن يمنع البلدان الصاعدة ومنخفضة الدخل من تحقيق إمكاناتها الكاملة. والكثير على المحك لأن قيود الاستيراد تمنع التجارة من القيام بدورها الأساسي في دفع الإنتاجية ونشر التكنولوجيات الجديدة والحد من الفقر.
ويخبرنا التاريخ بأن على البلدان مقاومة دعاوى الاكتفاء الذاتي – لأنه يقود السفينة إلى الدمار.
إن الاحتياج في الفترة المقبلة إلى «قواعد أذكى» للتجارة تضمن الكسب للجميع.
أهمية إضافة اقتصاد آخر بحجم دولة الإمارات إلى مجموعة العشرين.
إن إصلاح النظام يعني جعله ملائماً للمستقبل. وأوضحت دراسات أنه إذا تم تخفيض تكاليف التجارة في مجال الخدمات بنسبة 15%، يمكن رفع إجمالي الناتج المحلي الكلي لبلدان مجموعة العشرين. بمبلغ يمكن أن يكون هذا مساوياً لإضافة بلد آخر بحجم دولة الإمارات إلى مجموعة العشرين. حيث تسعى دولة الإمارات من دون كلل أو ملل إلى خلق نظام أفضل للتجارة العالمية. وإلى تحسين التجارة وتوسيع نطاقها.
ب) في عصر التغير التكنولوجي السريع – حيث تكتسح الرقمنة والذكاء الاصطناعي كل الصناعات – يحتاج العالم إلى ثقة أكبر من الجماهير.
وهنا يبرز نموذج الاقتصاد الرقمي الإماراتي الذي يدشن مرحلة جديدة في ريادة واستدامة نمو الاقتصاد الإماراتي القائم على المعرفة والابتكار والتطبيقات التكنولوجية المستقبلية، والتي تدمج التقنيات المادية والرقمية والحيوية، بما يعزز تنافسية الإمارات ومكانتها الرائدة بصفتها مركزاً للاقتصاد الرقمي الأكثر ازدهاراً في المنطقة والعالم. وفي هذا السياق تعمل دولة الإمارات على قيام المنظمات العالمية بالعمل على الحد من عدم المساواة في الفرص ومساعدة الجميع على الازدهار في العصر الرقمي لذا زادت مساهمات الدولة في الاستثمار في التدريب وشبكات الأمان الاجتماعي العالمية – حتى يتمكن العاملون من النهوض بمهاراتهم، والانتقال إلى وظائف أعلى جودة، وتحقيق دخل أكبر.
وفي هذا السياق اتخذت الإمارات نهج تمكين النساء. فوفقاً لتقديرات متنوعة لعدد الوظائف التي يمكن أن نكسبها أو نخسرها بسبب التكنولوجيا. ومن النتائج المدهشة التي خلصت إليها بعض تحليلات أن النساء يمكن أن يتضررن بشدة – لأن 26 مليون وظيفة من وظائفهن معرضة للخطر في البلدان أعضاء «منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي» (OECD) وحدها. وتبرر ذلك بأن النساء غالباً ما تؤدين أعمالاً روتينية أكثر مما يفعل الرجال – وهي بالضبط نفس الوظائف الأرجح أن تتأثر بالتحول إلى التشغيل الآلي.
في حين استثمرت دولة الإمارات في البشر: في الصحة والتعليم، وفي نظم الحماية الاجتماعية.
ج) إعادة بناء الثقة في المؤسسات وصنع السياسات في الاقتصاد العالمي. هو أمر ضروري تؤمن به الإمارات لتحقيق نمو أكثر استمرارية يقتسم ثماره الجميع على نطاق أوسع.
وتمثل استعادة الثقة أولوية أساسية أخرى حتى يتسنى تنفيذ السياسات والإصلاحات التي لا تعزز النمو فقط، إنما تعززه على أساس احتوائي أيضاً. ويعني هذا أن كل البلدان يجب أن تتكاتف لترويض خطر التغير المناخي. ففي عام 2024، الذي حمل شعار «عام الاستدامة»، أضافت دولة الإمارات المزيد من الإنجازات البارزة على صعيد الاستدامة محلياً وعالمياً. ففي ظل رئاستها لمؤتمر الأطراف «COP28» الذي عُقد في ديسمبر 2023، واصلت الإمارات تعزيز مكانتها بصفتها داعماً رئيسياً للجهود المناخية والتنموية العالمية، بهدف بناء مستقبل مستدام للبشرية وكوكب الأرض. وقد شهدت فترة رئاسة الإمارات لمؤتمر الأطراف العديد من الإنجازات المهمة، كان أبرزها إقرار «اتفاق الإمارات» في«COP28» الذي أصبح مرجعاً للطموح المناخي العالمي. كما أطلقت الإمارات مبادرة «محمد بن زايد للماء» لمواجهة التحديات العالمية المتعلقة بندرة المياه. ولذا كان من الطبيعي أن تتبوأ الإمارات تلك المكانة العالمية لإيمانها بأن «الوحدة مع التنوع». أن الرؤية الإماراتية التي استحقت الإشادة أنه حينما نبحر معاً، نكون أقوى وأسرع وأقدر على توجيه السفينة عبر المياه المتلاطمة وتجنب الاصطدام بالصخور التي تتحطم عليها السفن، عبر دعوة الإمارات للعمل معاً – حتى نتمكن من توجيه دفة اقتصاداتنا في الاتجاه الصحيح والوصول بالجميع، سواء أكانوا على متن سفن صغيرة أم كبيرة، إلى ميناء جديد وأفضل.
* أكاديمي مصري