السبت 7 ديسمبر 2024 11:50 صباحاً
لا تكفي كلمة "الغثيان" لأعبر بها عما شعرت به وأنا إزاء هذا المشهد المنفِّر لدرجة أنني فكرت في التواصل مع مجمع اللغة العربية لمناقشة وضع "مفردة" جديدة تصف شعورى هذا والذى هو مزيج من التقزز والنفور والغثيان معاً وهو مشهد واقعي للأسف تجاوز بي مرحلة «ما بعد الغثيان» بساعات ضوئية.
هذا المشهد كان بطله الرئيسى "عدة بقرات" صغيرة؛ نعم لا تستغرب، بقرات صغيرة، أما المكان فكان فى أحد الأحياء الشعبية بشبرا الخيمة، ومُخرج المشهد هو راعى تلك البقيرات التى تركها ترعى فى تل من القمامة، بل كان يوجِّهها بكل حماسة لا تفتر وهو غير عابئ بأي ممن هم حوله، ولك أن تتخيل ما أثاره هذا المشهد فى نفسى من مشاعر جعلتنى لا إراديًا أكره البقر والجاموس والأغنام «وكل ذى أربع» وأقرر بعدها أن أكون من هؤلاء النباتيين الذين لا يقربون أي لحم في حياتهم أياً كان على الإطلاق، بل طفق عقلي يتصور سلالات جديدة من فيروسات تسبب أمراضًا لم يسمع بها البشر من قبل تصيب مَن يأكل هذه اللحوم، فهتفتُ غاضباً: " هيه المشرحة ناقصة قتلى؟؟".
وفي الحقيقة لا أدرى كيف تُرك مثل هؤلاء يفعلون مثل هذه الفعلة الشنعاء التى تسهم فى انتقال من يأكلون هذه اللحوم إلى «الرفيق الأعلى» بطريقة أو أخرى وتصيبهم بما لا حصر له من الأمراض وهم يعتقدون "ياولداه" أنها لحوم أبقار صغيرة طازجة يشترونها بأغلى الأثمان وهى ترعى في تلك القمامة!! وهو ما يتعارض مع جهود الدولة فى القضاء على الأمراض وانتشارها، فأين الأجهزة الرقابية من هؤلاء معدومى الضمير؟!
وعلى الرغم من رصد الدولة ميزانيات ضخمة للقضاء على تلال القمامة المنتشرة هنا وهناك وتوفير آلية تضمن القضاء عليها تمامًا لنصل إلى "صفر قمامة" -الذي قد يبدو حلمًا بعيد المنال- من خلال التعاقد مع شركات النظافة وشراء اللودرات والجرارات وصناديق القمامة بالإضافة إلى أجور عمال النظافة، فإن ما هو أهم من ذلك هو سلوكيات المواطن نفسه التى تفوق فى أهميتها دور الدولة، فما فائدة وجود صناديق للقمامة إذا كان المواطن يلقى قمامته فى الطريق دون أدنى اهتمام أو يلقي بأعقاب السجائر حوله في أى مكان حتى إنك تجدها داخل المرحاض العام نفسه، أو إنك تمشي في أمان الله بأحد الشوارع فتجد زجاجة ملقاة عليك من إحدى النوافذ من أعلى -حدثت لى شخصياً- أو سائق السيارة هذا يلقى بفضلات الطعام في الطريق ولا يبالى.
على كل مواطن دور في تحقيق حلم "صفر قمامة"، فالنظافة الشخصية تأتى قبل النظافة العامة، ويأتى هذا من خلال الحرص عليها فى بيته وعمله، كما أن الوعى بالنظافة وأهميتها لا بد أن ينشأ لدى المرء منذ الصغر بحيث تتحول إلى عادة تترسخ داخله وهنا يأتى دور الأسرة، التى تعد اللبنة الصغيرة لتكوين المجتمع، في غرس الوعى لدى الأطفال لتكون النظافة لديهم "أسلوب حياة"، والتشديد على أنها جزء لا يتجزأ من أي أمر جيد حولهم، فالنظافة ركن من أركان الإيمان؛ التحضر؛ الرقى، والحرص عليها حرص الفريضة.
لذا يجب شن حرب "شعواء" على مثل هؤلاء -الذين هم والبقر سواءـ ممن يصدر منهم هذه السلوكيات الضارة التي تسهم في إجهاض حلمنا في العيش فى بلد نظيف، راقٍ، متحضر.