في خطوة غير متوقعة، وفي فضيحة دولية لم تكن في الحسبان، عملاء استخبارات إسرائيليون يكشفون للمرة الأولى عن تفاصيل عملية سرية من أعظم عملياتهم التي استهدفت حزب الله، والكارثة التي أثارت الرعب في لبنان بعد تفجيرات “البيجر” و”ووكي توكي” الأخيرة.
العملية التي بدأت منذ سنوات، تسلط الضوء على خديعة إسرائيلية محكمة أدت إلى مقتل العشرات من مقاتلي حزب الله وإصابة المئات، حيث شكلت العملية بمثابة عاصفة مدمرة ضربت الحزب في قلبه وأظهرت في النهاية وجه إسرائيل القذر، الذي لا يتورع عن استخدام أي وسيلة لإضعاف أعدائه.
خطة معقدة وحيلة لا تنتهي
منذ أكثر من عقد، عمل الموساد الإسرائيلي على خداع حزب الله من خلال الأجهزة اللاسلكية “ووكي توكي”، التي كانت في حقيقة الأمر محملة بالمتفجرات.
بدأ المخطط في عام 2012، ولكن الحزب لم يدرك أنه كان يتعامل مع إسرائيل التي زرعت هذه الأجهزة في الأسواق، مموهة بتقنيات تجعلها تبدو كأجهزة عادية.
ظلّ الحزب يشتري الأجهزة دون أن يعرف أنه كان يشتري الموت بيد إسرائيل، بل وكأنه كان يسير في طريق محفوف بالفخاخ التي وضعتها الاستخبارات الإسرائيلية.
وفي سبتمبر الماضي، انفجرت هذه الأجهزة في لبنان، كاشفة عن جزء من الخطة، التي كانت إسرائيل قد وضعتها بعناية على مدار سنوات طويلة.
التفجيرات والضحايا كانت فقط البداية
في يوم 17 سبتمبر، كانت التفجيرات التي انطلقت من أجهزة “البيجر” المفخخة جزءاً من هجوم دموي لم يكن يتوقعه أحد.
عملاء الموساد كانوا قد أعدوا لهذه اللحظة منذ عام 2022 بعد أن اكتشفوا أن حزب الله كان يشترى أجهزة البيجر من شركة تايوانية، فبدأت الخطة الثانية التي كانت تهدف إلى تحويل تلك الأجهزة إلى قنابل موقوتة.
وإذا كان التفجير الأول قد أسفر عن مقتل العشرات من مقاتلي حزب الله، فإن اليوم التالي كان أكثر دموية. عندما بدأ الموساد في تفعيل أجهزة “الووكي توكي” المفخخة، أصيب لبنان بصدمة جديدة، حيث انفجرت بعض الأجهزة في جنازات شهداء التفجيرات السابقة، ما أضاف المزيد من الفوضى والدمار في لبنان.
خداع طويل الأمد: عملية إسرائيلية متكاملة
وكأن هذه الحيلة لم تكن كافية، فقد لجأ الموساد إلى استخدام أساليب محكمة لتضليل حزب الله في السنوات التي سبقت التفجيرات.
بحسب شهادات العملاء الذين تحدثوا إلى برنامج “60 دقيقة” على قناة “سي بي إس”، فإن إسرائيل استخدمت حملات دعائية مزيفة على منصات الإنترنت، وشركات وهمية من دول متعددة، بما في ذلك المجر، لخداع شركة “غولد أبولو” التايوانية وتوجيهها لبيع الأجهزة لصالح إسرائيل، بينما لم يكن للحزب أي فكرة أنه كان يتعامل مع العدو الأكبر.
في النهاية، وبحلول سبتمبر 2023، كان مقاتلو حزب الله يحملون في جيوبهم 5000 جهاز بيجر مفخخ، وهم يعتقدون أنهم يمتلكون أدوات اتصال لا أكثر.
عملية “ترومان شو” لصناعة الموت
لقد كانت عملية إسرائيل أشبه بمسلسل درامي من الخداع الشامل. العملاء الذين كشفوا عن التفاصيل أشاروا إلى أنهم جعلوا كل شيء يبدو طبيعياً بشكل مدهش.
سواء كانت الشركات الوهمية أو الحملات الترويجية على الإنترنت، كان كل شيء يبدو حقيقياً، من التسويق إلى الدعاية الهندسية إلى صالات العرض. بالنسبة لحزب الله، كانت الصفقة ناجحة، لكن الحقيقة كانت مروعة: كل شيء كان تحت السيطرة من وراء الكواليس.
النتائج: كارثة تهز لبنان وتعصف بحزب الله
ما حدث بعد تنفيذ الخطة كان أعظم من أي توقعات. الخسائر لم تكن تقتصر فقط على الأرواح بل امتدت لتشمل انهيار الأمن الداخلي لحزب الله.
في حين تم تدمير العديد من عناصره الفاعلة، كان الهجوم بمثابة ضربة في صميم البنية التنظيمية لحزب الله، وتسببت التفجيرات المتتالية في إرهاق وقلق مستمرين.
المجتمع اللبناني، الذي كان بالفعل يعاني من وضع اقتصادي صعب، شهد موجة من الرعب؛ فلا أحد يعرف متى وأين ستحدث التفجيرات القادمة.
“نريدهم أن يشعروا بالضعف”
بشهادة أحد العملاء، الذي استخدم اسم “مايكل”، كان الهدف واضحاً: “نريدهم أن يشعروا بالضعف، وهم فعلاً كذلك”. وبالفعل، بدلاً من أن يحاول حزب الله الرد، وجد نفسه في موقف دفاعي، ويعيش تحت وطأة الخوف الدائم من الهجمات المستقبلية.
إسرائيل كانت قد أعلنت بالفعل انتصارها، مؤكدة أنها لن تتوقف عند هذه النقطة بل ستنتقل إلى “المرحلة التالية”، حيث أكد العميل: “لقد انتقلنا إلى الشيء التالي”. والرسالة هنا واضحة: إسرائيل تخطط للمستقبل، وحزب الله سيظل في حالة من التخبط والاضطراب.
هجوم ضار بالكرامة والسيادة
لا يقتصر الخطر على حزب الله فقط، بل يمتد ليشمل لبنان ككل. من خلال هذه العمليات الخبيثة، حاولت إسرائيل ضرب السيادة اللبنانية، بينما كانت تستغل ضعف النظام الأمني لحزب الله.
لم يكن الهجوم مجرد انتقام من المقاتلين أو زعزعة صفوفهم، بل كان استهدافاً للثقة اللبنانية بأمنهم، حيث اجتاحت الأجواء حالة من القلق العام، وأصبح الشعب اللبناني لا يعرف أين سيظهر التهديد القادم.
ختام الصراع: خطة إسرائيل لم تتوقف عند التفجيرات
حيث تبدو القضية أبعد من مجرد عمليات تفجير. إنها جزء من حرب طويلة ومتصاعدة تتبعها إسرائيل بدم بارد. والمفاجأة الأشد صدمة كانت في الإجابة التي قدمها العميل “مايكل” عندما سئل عن المرحلة التالية: “لقد انتقلنا بالفعل إلى الشيء التالي”. بكل تأكيد، لم تكن هذه العمليات سوى بداية لعهد جديد من التفوق العسكري والتقني الذي يهدد لبنان بأسره.
نسخ الرابط تم نسخ الرابط