10 يناير 2025, 4:31 مساءً
يعيش الأديب السعودي عياد مخلف بن الراعي، تجربة ثقافية فريدة في غار يقع بالقرب من مدينة عرعر في منطقة الحدود الشمالية، حيث يجد في العزلة ملاذًا للإبداع والتأمل. يصعد هذا الرجل السبعيني إلى الغار يومياً، حاملاً ما يستطيع حمله من الكتب، ليقرأ الأدب الروسي ويكتب الشعر الفصيح بعيداً عن صخب الحياة اليومية.
تحولت هذه العزلة إلى جزء من طقوسه الأدبية، حيث يلجأ إلى الغار للتفرغ للقراءة والكتابة، في رحلة يومية يعبر من خلالها عن شغفه بالأدب العالمي، جامعاً بين روح البادية العريقة وعمق الفكر الإنساني.
في حديثه لبرنامج "MBC في أسبوع" استرجع عياد مخلف بن الراعي ذكرياته وصداقته مع الغار، قائلاً: "هذا الغار بيني وبينه مشاعر خاصة، وكأن الحجر فيه حي، يحادثني ويلامسني، أشعر هنا براحة غريبة، وكأنه غار قيس بن الملوح الذي لجأ إليه في قصص العشق".
وأضاف: "ذات يوم كنت مستلقياً في الغار، أقرأ رواية (الأم) للأديب الروسي مكسيم غوركي، مستغرقاً في القراءة، مرّ بي شيخ من أهل المنطقة، فسلّم عليّ وسألني باستغراب، ماذا تفعل هنا؟ فمزحت معه وقلت أتعبد الله في هذا الغار! جلس قليلاً يراقبني، ثم أشار بيده كما لو أنني مجنون، نظرت إليه وقلت: اذهب في حال سبيلك أيها الشيخ".
كانت هذه الحادثة، كما وصفها، إحدى اللحظات التي زادت ارتباطه بالغار، ليصبح ملاذاً يومياً يلجأ إليه للقراءة والتأمل بعيداً عن ضوضاء الحياة.
يعيش ابن الراعي حالة من الغربة الاجتماعية، إذ يتحدث باللغة الفصحى ويقرأ في الأدب الروسي، وهي معادلة أثرت بشكل واضح في تكوين شخصيته ونتاجه الأدبي. وعلى الرغم من تأثره بهذا الأدب، فإنه نفى أي علاقة له بالشيوعية، مؤكدًا "أنا لست شيوعيًا، لكنني محب للأدب الروسي".
ويشير إلى أن هذا الحب ينبع من إنسانية الأدب الروسي الذي يتناول المشاعر الإنسانية بعمق، بغض النظر عن المكان والزمان، مستشهداً بما قاله الشاعر الإنجليزي توماس إليوت: "الأدب العالمي يدعو إلى التواصل الإنساني"، والسبب في ذلك أن أدب الشعوب يعكس مشاعر إنسانية مشتركة مثل الحب، الكره، البغض، والتسامح، مما يجعل القارئ يشعر بأن تلك القصص تحاكي واقعه الداخلي والخارجي.
وأضاف: "عندما تقرأ أعمال الأدباء الروس، تشعر وكأنك تقرأ عن نفسك وبيئتك، مثل قصص أنطون تشيخوف، ستجد أنه يتناول تفاصيل الحياة اليومية وكأنه يروي قصتك الخاصة، كذلك، في أعمال فيودور دوستويفسكي، نجد تصويرًا عميقًا للنفس البشرية، حتى عالم النفس النمساوي سيغموند فرويد كان يعتمد على رواية (الجريمة والعقاب) لتحليل الشخصيات النفسية، نظرًا للغوص العميق في دواخل النفس البشرية الذي قدمه دوستويفسكي في أعماله".
وأوضح أن "الجمع بين البداوة الأصيلة والثقافة العميقة وسعة صدر أبناء الشمال، شكّل شخصية مميزة للأديب الذي اختار بفخر أن يُلقب بابن الراعي، ورغم مكانته كأحد أوائل المعلمين في منطقة عرعر، إلا أن تواضعه وحبه لجذوره جعلاه يحمل هذا اللقب الأدبي اعتزازًا بأصله وقيمه التي ظل متمسكًا بها طوال مسيرته الأدبية والتعليمية".