الأحد 8 ديسمبر 2024 12:34 صباحاً
قالت دار الإفتاء المصرية إنه لا يجوز مطلقًا وضع كاميرات المراقبة في الأماكن الخاصة التي تنتهك الحرمات؛ كدورات المياه أو غرف تغيير الملابس ونحوها.
وضع كاميرات المراقبة في الأماكن الخاصة والعامة
ووضعُها في الأماكن الخاصة؛ كالبيوت، ونحوها، بغرض التجسس على الناس فهو حرامٌ شرعًا إلَّا ما كان بناء على ما تُقرِّره القوانين والتشريعات.
أما وضعُها في الأماكن العامة؛ كالشوارع والمحلات التجارية أو مداخل العمارات السكنية؛ لمنع السرقة، ومراقبة حركة السير وضبطها أو لتتبع ما يقع من الجرائم ومحاسبة المسؤول، أو في أماكن العمل؛ لضبطه، فكل ذلك ومثله جائز شرعًا؛ خاصة إذا كان مُقَرَّرًا بالقانون كما هو الحال في بلادنا اليوم.
حكم وضع كاميرات المراقبة في الأماكن الخاصة
وأوضحت الإفتاء أن مقاصد الشريعة الإسلامية خمسة هي: حفظ الدين، وحفظ النفس، وحفظ العقل، وحفظ النسل، وحفظ المال، وجعلت الشريعةُ كلَّ ما يحفظ هذه المقاصد مصلحة، وكل ما يضيعها مفسدة يكون دفعها في ذاته مصلحة.
قال الإمام أبو حامد الغزالي في "المستصفى" (1/ 417، ط. مؤسسة الرسالة): [مقصود الشرع من الخلق خمسة: وهو أن يحفظ عليهم: دينهم، ونفسهم، وعقلهم، ونسلهم، ومالهم، فكل ما يتضمن حفظ هذه الأصول الخمسة فهو مصلحة، وكل ما يفوِّت هذه الأصول فهو مفسدة ودفعها مصلحة] اهـ.
ومن سماحة ويسر الدين الإسلامي أَنْ جعل الأصل في الأشياء الإباحة؛ قال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾ [لقمان: 20]، وقال عز وجل: ﴿وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْه﴾ [الجاثية: 13]، إلا أن الغاية لا تبرر الوسيلة؛ فالمباح إذا استعمل في محرَّمٍ يكون حرامًا.
وإذا كان وضع هذه الكاميرات في الأماكن الخاصَّةِ بغرض التجسُّس على الناس كما يفعله البعض من اختراق الخصوصية بوضع كاميرات تصَوِّر الناس في موضع تخفُّفِهم من ملابسهم؛ كغرف تبديل الملابس بالمحلات التجارية- ففي ذلك جرمٌ عظيمٌ وإثمٌ كبير .
وقد نصَّ الفقهاء على أن النظر إلى العورات مُحَرَّم إلا أن تكون هناك ضرورة ماسَّة؛ كالتداوي:
قال العلامة ابن مازة الحنفي في "المحيط البرهاني في الفقه النعماني" (5/ 336، ط. دار الكتب العلمية): [ولا يحلّ النظر إلى العورة، إلا عند الضرورة] اهـ.
وقال العلامة الصَّاوي المالكي في حاشيته على "الشرح الصغير" (4/ 736، ط. دار المعارف): [(ويجب ستر العورة) عمَّن يحرم النظر إليها من غير الزوجة والأمة (إلا لضرورة) فلا يحرم؛ بل قد يجب، وإذا كشف للضرورة (فبقدرها): كالطبيب يبقر له الثوب على قدر موضع العلة في نحو الفرج إن تعين النظر] اهـ.
وقال حجة الإسلام الإمام الغزالي الشافعي في "الوسيط" (5/ 37، ط. دار السلام): [ولا يحل النظر إلى العورة إلا لحاجة مؤكدة؛ كمعالجة مرض شديد يخاف عليه فوت العضو أو طول الضَّنَى، ولتكن الحاجة في السوأتين آكد، وهو أن تكون بحيث لا يعدُّ التكشف لأجله هتكًا للمروءة، وتعذر فيه في العادة، فإن ستر العورة من المروءات الواجبة] اهـ.
موقف القانون المصري من ذلك
ونصَّ القانون المصري على وجوب معاقبة كل من يعتدي على حرمة الحياة الخاصة للآخرين؛ سواء كان ذلك بالتنصّت عليهم أو التسجيل لمحادثاتهم أو تصويرهم أو نقل صورهم الخاصة بأية وسيلة من الوسائل.
حكم وضع كاميرات المراقبة في الأماكن العامة
أما إذا كان وضع هذه الكاميرات في أماكن عامة؛ كالطرقات والمحال التجارية ونحوها فهو مباح، لا سيما إذا كان بعمل وليِّ الأمر أو أمره؛ لضبط حالة البلاد والعباد، والتقليل من المخالفات المرورية والجرائم، ومعاقبة المعتدين وتغريم المخالفين.. إلخ.
فلا شكَّ أنها من الزواجر التي تساعد على ذلك؛ والأمر كلّه دائر في نطاق ما يكون تجسسًا وهتكًا لستر خاصة الناس وعوراتهم أو لا؛ فقد نص الفقهاء على أنه يجوز للحاكم إذا كان عنده من الأمارات ما يستدعي التتبع والتجسس لإيقاف منكرٍ أو منع جريمة أو مراقبة اللصوص وقطاع الطرق ونحوهم فإنه يجوز له ذلك:
قال العلامة الملا علي القاري في "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" (6/ 283، ط. دار الفكر): [(إذا ابتغى الريبة) بكسر أوله؛ أي التهمة (في الناس)، بأن طلب عيوبهم، وتجسس ذنوبهم، واتهمهم في تفحص أحوالهم، (أفسدهم)؛ أي أفسد عليهم أمور معاشهم، ونظام معادهم؛ لأن الإنسان قلَّما يخلو عن ذم، فلو أدبهم لكل قول وفعل بهم لشق الحال عليهم، بل ينبغي له ما أمكنه أن يستر عليهم] اهـ.