أخبار عاجلة

د.عدنان منصور يكتب: متى يثق الشعب اللبنانيّ بحكوماته وبياناتها الوزارية؟

لم تعد غالبية اللبنانيين وللأسف الشديد تكترث بأيّ بيان للحكومة، أياً كان شكلها ونوعيتها وأعضاؤها، تنال بموجبه ثقة المجلس النيابي.
لا يلومنّ أحد المواطن اللبنانيّ على تحفظه على أي حكومة، وهو الذي خبر جيداً خلال عقود، مدى جدية الحكومات السابقة التي توالت على الحياة السياسية اللبنانية. حكومات حملت شعارات براقة، ووعوداً وأحلاماً، أوْصلت البلد إلى ما هو عليه الآن، من انهيار، وفساد، وتحلّل في أجهزة الدولة ومؤسساتها ومرافقها. رغم ذلك لم يكن للحكومات الحدّ الأدنى من الشجاعة والجرأة للنقد الذاتيّ أو لتقييم عملها، والاعتراف بفشلها وسوء أدائها، وأخطائها، وتجاوزها في مرات كثيرة للدستور والقوانين.
هل استطاعت الحكومات السابقة، أن تواجه الفساد وتتصدّى له ولو لمرة واحدة، والذي كان يستشري في جسم الدولة، ويتمدّد وينخر في وزاراتها، ومؤسساتها بمعرفة منها، دون أن تكون بعيدة عنه؟!
اليوم نعيش عهداً جديداً مع رئيس للجمهورية، ومع رئيس للحكومة حاز بيانها الوزاريّ على ثقة المجلس النيابي.
بعد عقود مرّت على الحكومات اللبنانيّة، يجد المواطن اللبناني نفسه محبطاً من الحكومات السابقة التي لم تلبّ مطلقاً آماله، وأحلامه، وتطلّعاته، إذ يرى أنّ منح المجلس الثقة للحكومة ورئيسها، لا يكفي وحده، ولا تعني بالتالي حيازة الحكومة على ثقة الشعب. لأنّ الثقة يجب أن تنبع من قلب الشعب الذي مُني على مدى سنوات طويلة بالإحباط واليأس، جراء ابتعاد الحكومات عن مصالح الناس وتطلّعاتهم ومستقبلهم، وعدم وفائها بالتزاماتها، ووعودها وببياناتها الحكوميّة، التي ظلت حبراً على ورق.
كم كانت بيانات الحكومات السابقة شبيهة بالشكل والمضمون، تكرّر مواضيع جوهريّة لا سيما الخدمية، والمعيشية، والإصلاحية المتعلقة مباشرة بالمواطنين.
إنّ إخلال الحكومات ببياناتها، ووعودها، وفشلها في تحقيق الإنجازات التي تعهّدت بها، وتمنعها عمداً عن مواجهة الفساد المستحكم، وإحجامها عن تطهير الوزارات والمؤسسات، والمرافق الحكوميّة من الفاسدين، وسوء أدائها، جعل المواطنين يكفرون بالدولة والحكومة والمسؤولين، ويسحبون ثقتهم الكاملة منهم، وإنْ كان داخل الحكومات مَن يمثلهم من الأحزاب والتيارات، والكتل السياسية.
تتساءل غالبية اللبنانيين: ألم تكن الحكومات سبباً مباشراً، والعلة في تسييس القضاء، وبسط نفوذها عليه وتشويه سمعته ورسالته الإنسانية؟! ألم تغضّ الحكومات نظرها عن الصفقات المشبوهة، وتعيق العدالة من أن تأخذ مجراها بحق الفاسدين، وأحياناً كثيرة تغطي فسادهم وتحميهم من الملاحقة، وتضع الخطوط الحمر في وجه القضاء؟! ألم تتدخّل الحكومات السابقة بصورة مخالفة لروح الدستور والقانون في التعيينات والتشكيلات القضائية والأمنية والإدارية والعسكرية والدبلوماسية؟!
ألم يحظَ أصحاب النفوذ والحظوظ، والمحسوبون، والمختلسون للمال العام، والمنتفخة بطونهم من الإثراء غير المشروع، بغطاء من الحكومات المتعاقبة؟! ألم تعِد الحكومات السابقة بحلّ أزمة الكهرباء، والمياه، والنفايات، ووضع حدّ للمخالفات، والحفاظ على حق المودعين، وغيرها من الوعود الواهية التي لم تنفذ؟
كم وكم من المرات كان اللبنانيّون يشعرون بالمرارة والقرف، وهم المهمّشون، المحبطون، اليائسون من فشل الحكومات الذريع، ولامبالاتها، وإهمالها المشين لقضايا الوطن، ومطالب اللبنانيّين المحقة في الحياة الحرة الكريمة، حيث كان اللبنانيّون يجدون أنفسهم على الدوام، يعانون من مخالب «الدولة العميقة»، ومن عجز الحكومات البعيدة كل البعد عن هموم الناس، وحاجاتهم المعيشية والحياتية والخدمية. حكومات لم يكن يعنيها من قريب أو بعيد، بناء دولة، أو نهضة وطن، أو صون حقوق شعب.
لبنان اليوم، مع حكومته الجديدة، أمام امتحان كبير غير مسبوق، نتيجة التطورات الخطيرة في الداخل اللبناني، والمحيط العربي، والتحوّلات السياسية والاستراتيجية التي تشهدها المنطقة والعالم. إنّه – وهذا الأهمّ – أمام احتلال العدو الإسرائيلي لأراضٍ لبنانيّة، بعد قيامه بتدمير شامل للقرى والبنى التحتية، بالإضافة إلى التركة الثقيلة التي خلفتها الحكومات السابقة جراء سياساتها المدمرة، ومسؤوليتها المباشرة عن الفساد الحكومي، والإداري والمالي والوظيفي، ونهب أموال الدولة والمودعين، وتهريب الأموال غير الشرعيّة، وتغطية الفاسدين وحمايتهم، وتكبيل يد العدالة عن ملاحقتهم، وترك أصحاب النفوذ الذين استولوا على أراضي الدولة، وغيرها من الصفقات الدسمة والتلزيمات المشبوهة، على حساب المال العام، دون مساءلة أو محاسبة!
اليوم نقولها بكلّ صراحة، إنّ الشعب اللبنانيّ بغالبيته لم يعد يكترث بأيّ بيان حكومي، ولم يعُد لديه أمل بأداء حكومة أو بتنفيذ بيانها، لأنّ الشعب اللبنانيّ اكتوى، وخذل، وأحبط، وهُمّش، فلا عتاب بعد ذلك على موقفه السلبيّ منها وهو المعذور.
إنّ الحكومة اليوم بحاجة ماسّة إلى استعادة ثقة اللبنانيين قبل ثقة المجلس النيابي الذي تتحكّم بالعديد من أعضائه، المصالح الخاصة، والحسابات الضيقة، والمواقف التي تتعارض مع مصالح الشعب وحقوقه المشروعة.
إنها فرصة الاختبار الحقيقيّ والتحدي الكبير، والمسؤولية الوطنية أمام العهد الجديد والحكومة الجديدة، لتثبت جدارتها وهي في مواجهة مباشرة مع العدو الإسرائيلي، بغية إزالة الاحتلال العسكري والسياسي من الخارج، وإزالة كابوس الدولة العميقة وتسلّطها وفسادها من الداخل، والنهوض بدولة العدالة والقضاء النزيه، والحوكمة الرشيدة، واسترجاع الأموال المنهوبة، وأملاك الدولة المسروقة والمنهوبة وأموالها وعقاراتها!
هذه هي مطالب اللبنانيين من الحكومة الجديدة على مختلف طوائفهم، وانتماءاتهم السياسية. ثقتهم سيمنحونها لها بعد إنجازاتها، وليس قبل تحقيق الإنجازات، حيث لم تعد تنفع مع اللبنانيين ما تتضمّنه بيانات الحكومات منذ عقود، وما تكرّره من بنود، وبعد تنصّلها من الوعود، وإخلالها بالعهود!
هل يكون الرئيس نواف سلام فاتح عهد جديد لحكومات ريادية فاعلة، على قدر كبير من المسؤولية الوطنية والسياسية، خلافاً للحكومات السابقة، ويضع الأسس لحكومة إصلاحية بناءة، شفافة بامتياز، تواجه الاحتلال، وتحرّر الأرض، وتوحّد البلاد، وتمنّ على لبنان بقوانين عصرية تقدّمية، لا سيما قانون انتخابات نيابية جديد، واتباع سياسات جريئة تعبّر بعمق عن سيادة وطن، واستقلاليّة قراره الحر، وكرامة مسؤوليه، وتبعده بالتالي عن الهيمنة الغربية، وبالذات عن نفوذ «الانتداب» الأميركي الجديد المتمادي على الساحة اللبنانية، الذي يغرز مخالبه، ويعزز تسلّطه على لبنان أكثر فأكثر، ويتدخل علناً وبشكل سافر في الشؤون اللبنانيّة، متجاوزاً الأصول والأعراف الدبلوماسية، والقوانين الدولية ذات الصلة باستقلال الدول وسيادتها؟! حكومة يريد منها اللبنانيّون أن تُخرجهم من السياسات الحمقاء، والقرارات الطائفية والمناطقية البغيضة التي يعاني منها لبنان طويلاً، والتي كبّلته وأعاقت تنميته وتقدمه ونهضته؟!
هذه هي الحكومة التي يريدها اللبنانيون، حكومة وطنيّة، فاعلة، صادقة، شفافة، أمينة على مصالح الشعب، تواكب أمانيه، تعبّر وتعكس متطلباته، وتطلعاته فعلاً لا قولاً.
إنّ الثقة بالحكومة تنبع من قلب الشعب ولا تنبع من المجالس. وهذه الثقة سيمنحها الشعب بعد وفاء الحكومة بالوعود والعهود، وحكمه عليها لن يتأخر بعد أن يرصد أداءها، وأفعالها، لا سيّما أنّ عمرها محدود.
شهران كافيان لإصدار حكم الشعب على أداء الحكومة، التي نتمنّى لرئيسها وأعضائها من الأعماق كلّ التوفيق، على أن تكون على مستوى المسؤولية الوطنية.
هل يكون الرئيس نواف سلام وحكومته، بارقة أمل ونهج جديد، يحظى برضى اللبنانيين، ويكون ظاهرة وطنية متميّزة في تاريخ لبنان الحديث؟!
نتمنى ذلك مع الشعب الذي سيقول كلمته في الأسابيع المقبلة، ولننتظر.

نسخ الرابط تم نسخ الرابط

المزيد

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق إسلام الغمري يكتب: زلينسكي بين مطرقة واشنطن وسندان موسكو: سقوط الأقنعة وانكشاف المصائر
التالى رجب حميدة يكتب: يوميات رمضان المبارك