أكدت مصادر مطلعة داخل الهيئة العامة لقصور الثقافة أن الفساد وصل إلى مستويات غير مسبوقة في ظل إدارة تامر عبد المنعم، رئيس البيت الفني للفنون الشعبية، الذي يُعرف بلقب “ابن المخبر” في الأوساط الثقافية والإعلامية، وذلك نتيجة لتورطه في سلسلة من الفضائح المالية والإدارية المتعلقة بمشروع “سينما الشعب”، الذي تحول من مشروع ثقافي تنموي إلى وسيلة لإهدار المال العام ونهب الميزانية.
أوضحت التقارير أن تصريحات تامر عبد المنعم، التي أدلى بها في المواقع الاخبارية يوم 2 أكتوبر 2023 حول تشغيل 40 دار عرض سينمائي بأسعار رمزية، لا تعكس الواقع.
وكما أكد تامر عبدالمنعم في تصريحات تليفزيونية بالأمس وبكل فخر أن المشروع يدير 23 دار عرض، بينما تشير الحقائق إلى أن المشروع يشغل فعليًا 17 دار عرض فقط، منها ثلاثة دور تعمل بشكل كامل، في حين أن البقية إما مغلقة أو لا تحقق أي مردود اقتصادي.
وأشار تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات ويفضح تضارب كبير في الأرقام التي ذكرها تامر عبد المنعم بخصوص إيرادات “سينما الشعب”، حيث زعم أن المشروع حقق إيرادات غير مسبوقة تصل صافي أرباحها السنوي 15 مليون جنية، بينما أوضح التقرير أن المشروع تسبب في إهدار 752 ألف جنيه من المال العام نتيجة سوء الإدارة.
فقد بلغت تكلفة تجهيز فروع بورسعيد والأقصر أكثر من 750 ألف جنيه، في حين أن إيراداتها لم تتجاوز 40 ألف جنيه خلال ستة أشهر، مما يعكس غياب الدراسة الاقتصادية الدقيقة قبل إطلاق المشروع.
أبرزت التحقيقات أن تجهيز سينما الشعب في بورسعيد كلف 222 ألف جنيه، في حين أن إيراداتها خلال نصف عام لم تتجاوز 26 ألف جنيه.
وفي الأقصر، كانت الفضيحة أكبر، حيث بلغت تكلفة التجهيزات 530 ألف جنيه، مقابل إيرادات لم تتعد 12 ألف جنيه، مما يعني أن المشروع أدى إلى خسائر ضخمة.
وأكدت التقارير أن هذا الإهدار في المال العام يعود إلى غياب التخطيط وعدم دراسة جدوى اقتصادية واضحة للمشروع.


أوضح التقرير أن الإدارة العامة للمراجعة الداخلية والحوكمة، بقيادة عبد الحليم سعيد، لم تتخذ أي إجراءات رقابية لمتابعة تلك المصروفات أو فحصها بشكل دقيق، مما يعكس التواطؤ بين القيادات المعنية وتامر عبد المنعم. وأضاف التقرير أن سوء الرقابة الإدارية أدى إلى استمرار تلك التجاوزات.
وأشار التقرير إلى إهدار إضافي في “سينما الشعب” بشبين الكوم، حيث تبيّن أن السينما كانت تعمل بكامل طاقتها لفرد واحد فقط، دفع 40 جنيهاً مقابل تذكرتين، بينما كانت أجهزة التكييف والإضاءة تعمل بشكل كامل، مما يعكس سوء استغلال الأصول المملوكة للهيئة. وأوضح التقرير أن تشغيل السينما بهذا الأسلوب يعد استنزافًا مستمرًا للمال العام دون تحقيق عائد يذكر.
أكدت الوثائق أن تامر عبد المنعم استغل منصبه لتحقيق مصالحه الشخصية، من خلال حصوله على مكافآت شهرية كبيرة له ولفريقه، بالإضافة إلى بدلات انتقال وإقامة في فنادق فاخرة.
كما أوضحت المصادر أن عبد المنعم كان يضلل المسؤولين بتقديم تقارير مغلوطة تركز فقط على الإيرادات دون ذكر المصروفات الباهظة، مما ساهم في تضليل الرأي العام حول نجاح المشروع.
أشار التقرير إلى تورط عبد المنعم في تعاقدات مشبوهة مع شركات مقربة منه لتجهيز دور العرض السينمائي، حيث تم اختيار مقاولين بعينهم لتنفيذ تلك التجهيزات دون اتباع الإجراءات القانونية، مما أثار الشكوك حول تورطه في فساد ممنهج.


أكدت المصادر أن تامر عبد المنعم عمد إلى إخفاء الحقائق فيما يتعلق بمصروفات “سينما الشعب”، مشيرة إلى أن اختياره لأفلام دون المستوى وعدم وضع استراتيجيات تسويقية فعالة أديا إلى فشل المشروع وجعل الجمهور يعزف عن حضور العروض السينمائية. كما أفادت المصادر بأن سوء التسويق والإعلانات المحدودة ساهمت في تدني إيرادات السينما.
أكد أحد الموظفين في الهيئة أن تامر عبد المنعم كان يتعامل مع المشروع وكأنه “دولة داخل الدولة”، حيث كان يفرض قيودًا مشددة على استخدام قاعات السينما للفعاليات الثقافية الأخرى، مما أثر سلبًا على الأنشطة الثقافية والمسرحية في قصور الثقافة.
وفي تصريحات تلفزيونية لاحقة، كرر تامر عبد المنعم تصريحًا مثيرًا للجدل أشار فيه إلى نفسه بأنه “دولة”، وهي العبارة التي يؤكد البعض أنه يعيدها في مختلف لقاءاته الصحفية والخاصة، مما أثار استياء بعض العاملين في الوسط الثقافي، الذين يرون أن هذه العقلية الإدارية لا تخدم التعددية الثقافية التي تسعى الدولة إلى تحقيقها.
في النهاية، أكد اللواء خالد اللبان، مساعد وزير الثقافة ورئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة، المعروف بنزاهته وكفاءته، أنه يتابع هذه التجاوزات عن كثب، وأنه بصدد اتخاذ إجراءات حازمة لمحاسبة المسؤولين عن إهدار المال العام. وأوضح أنه سيحيل ملف تامر عبد المنعم إلى النيابة العامة لضمان تحقيق العدالة ومحاسبة كل من تورط في تلك التجاوزات.
وشددت المصادر على ضرورة محاسبة المتورطين في هذا الفساد الكبير الذي أضر بالمال العام والثقافة المصرية، مشيرة إلى أن الوقت قد حان لوقف هذا الفساد الذي يعصف بالهيئة العامة لقصور الثقافة.
نسخ الرابط تم نسخ الرابط