نقف اليوم أمام ذكرى تُذكرنا بأن التاريخ لا يرحم، وأن صوت الشعوب لا يُخمد، وأن الكراسي مهما علت فهي زائلة. نقف لنتأمل دروساً عميقة كُتبت بإرادة الملايين في ميدان التحرير وكل ميادين مصر.
أتوجه بداية إلى كل من يتولى السلطة في بلادنا:
إن الحكم أمانة ثقيلة، وإن الشعب حين يمنح ثقته فهو يتوقع العدل والكرامة والحرية، إن الانفراد بالقرار، وتكميم الأفواه، وتضييق الخناق على الحريات، كلها مقدمات لفقدان الشرعية.
فلا شرعية تعلو فوق إرادة الشعب، ولا استقرار يدوم دون عدالة اجتماعية حقيقية.
إن السلطة الحقيقية تنبع من القدرة على الإصغاء للمعارضين قبل المؤيدين، ومن الاعتراف بالأخطاء قبل تراكمها، ومن فتح الأبواب قبل كسرها.
أما إلى القوى السياسية فأقول: إن المعارضة ليست مجرد موقف سياسي، بل هي مسؤولية وطنية تتطلب رؤية بديلة وحلولاً واقعية. فلا تكتفوا بالنقد دون تقديم البدائل، ولا تنجرفوا خلف شعارات براقة دون برامج عملية.
إن بناء التوافق الوطني مسؤولية مشتركة، والحوار المجتمعي ليس ترفاً فكرياً بل ضرورة وطنية.
إن الديمقراطية ليست مجرد صناديق اقتراع، بل هي ثقافة وممارسة يومية. تحتاج إلى مؤسسات قوية، وإعلام حر، وقضاء مستقل، وأحزاب فاعلة، ومجتمع مدني نشط. لا يمكن اختزال التغيير في لحظة واحدة، فهو مسار طويل يحتاج إلى نَفَس طويل.
اليوم، وبعد كل هذه السنوات، نحن بحاجة إلى مراجعة شاملة: كيف نبني نظاماً سياسياً يحترم التعددية ويحمي الحريات؟ كيف نؤسس لاقتصاد قوي يحقق العدالة الاجتماعية؟ كيف نطور تعليماً يبني عقولاً ناقدة وإبداعية؟ كيف نحمي استقلال القضاء ونعزز سيادة القانون؟
إن مصر تستحق منا جميعاً أن نرتقي فوق خلافاتنا، وأن نتجاوز أنانياتنا، وأن نضع مصلحتها فوق كل اعتبار.
فلنجعل من هذه الذكرى محطة للمراجعة والتقييم، ولنتذكر دائماً أن التاريخ لا يرحم المستبدين، ولا يغفر للصامتين.
نسخ الرابط تم نسخ الرابط