كما تحدثنا في مقالاتنا السابقة، تمر المنطقة – وستمر – بتحدياتٍ بالغة الخطورة، وهذه التحديات تستدعي من الأنظمة الحاكمة والمعارضة على حدٍّ سواء التعاملَ معها بمنهجية مختلفة إن أردنا النجاة مما يُحاك للمنطقة. فإذا ضاعت الأوطان، فالمستفيد الوحيد هو العدو الخارجي، أما أبناء الوطن – سواء أكانوا في صف النظام أم المعارضة – فالجميع سيكون خاسرًا لا محالة.
التاريخ علّمنا أن لحظات الأزمات الكبرى تستدعي تجاوز الخلافات الداخلية والتركيز على التهديدات الوجودية التي قد تمحو الأوطان أو تغيّر معالمها للأبد. ونحن اليوم أمام تحدٍّ مصيري لا يمكن التهاون معه، فمخططات التهجير التي تطال الشعب الفلسطيني، وتحديدًا في غزة، ليست مجرد أزمة إنسانية عابرة، بل هي جزءٌ من مشروع أوسع يهدد استقرار المنطقة بأسرها، ويضع مصر أمام مسؤولية كبرى لا يمكن التعامل معها بردود فعل تقليدية.
الاصطفاف ضرورة وطنية
ما يواجهه الفلسطينيون في غزة اليوم ليس مجرد تهجيرٍ قسري، بل محاولةٌ ممنهجة لإعادة رسم الخريطة السكانية والسياسية للمنطقة، وهو أمرٌ لا يمكن لأي دولة مسؤولة أن تتغاضى عنه أو تسمح به. ولأن مصر هي الدولة الأكثر تأثرًا بهذا المخطط، فإن موقفها الرافض له ليس مجرد خيارٍ سياسي، بل هو ضرورةٌ استراتيجية تمليها المصالح الوطنية العليا.
إن الاصطفاف في مواجهة هذا المخطط يجب أن يكون موقفًا وطنيًا جامعًا، يتجاوز الانقسامات التقليدية بين النظام والمعارضة. فليس الوقت الآن لتصفية الحسابات أو إعادة اجترار الخلافات القديمة، بل هو وقت وحدة الصف لحماية الأمن القومي المصري. وعلى الجميع أن يدرك أن السماح بتمرير هذا المخطط يعني فتح الباب أمام تهديدات مستقبلية قد لا تقتصر على فلسطين وحدها، بل قد تمتد إلى دولٍ أخرى، وربما تعيد تشكيل المنطقة بأكملها بما يخدم أجندات القوى المعادية.
الموقف الرسمي المصري: خطوات مطلوبة
حتى الآن، الموقف الرسمي المصري واضحٌ في رفض مخططات التهجير، وهو موقفٌ يحظى بدعم شعبي واسع، لكن هناك حاجة إلى تعزيز هذا الموقف بخطوات عملية تعزز مناعته السياسية والإقليمية. وأهم هذه الخطوات:
1. تحرك دبلوماسي أقوى: يجب أن تتحرك مصر دبلوماسيًا بشكل أكثر فاعلية على المستوى الدولي، من خلال حشد الدعم الإقليمي والدولي لرفض مخطط التهجير، وتقديم المبادرات التي تضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته.
2. تنسيق عربي وإقليمي: لا يمكن لمصر وحدها أن تتحمل عبء المواجهة، بل لا بد من تنسيق أوسع مع الدول العربية الفاعلة، وعلى رأسها السعودية، الأردن، وقطر، لخلق موقف عربي موحد يكون أكثر تأثيرًا.
3. تعزيز الجبهة الداخلية: وهذا لن يتحقق إلا من خلال اتخاذ إجراءات سياسية تعزز الثقة بين النظام والمعارضة، وأول هذه الخطوات هي الإفراج عن المعتقلين السياسيين، وفتح المجال لحوار وطني حقيقي، يهدف إلى وضع رؤية موحدة لمواجهة التهديدات التي تحيط بالوطن.
*
المعارضة بين الواقع والمأمول*
في المقابل، على المعارضة المصرية أن تدرك أن اللحظة الراهنة تتطلب براغماتيةً سياسيةً تضع مصلحة الوطن فوق أي اعتبارات أخرى. فقد أثبتت التجارب السابقة أن الجمود السياسي وعدم التفاعل مع المستجدات يضعف قدرة أي تيار على التأثير في المشهد العام. لذلك، فإن التفاعل الإيجابي مع موقف الدولة في هذه الأزمة، ودعمه علنًا، لا يعني التخلي عن الثوابت، بل يعكس وعياً بطبيعة التحديات التي يواجهها الوطن.
إن أقوى ردٍّ على مخططات التهجير هو أن يصطف أبناء الوطن – بمختلف توجهاتهم – في صفٍّ واحد، رافضين هذه المؤامرات بكل قوة، ومتصديين لها بحزم. يجب علينا جميعًا أن نكون داعمين لثبات أهل غزة في أرضهم، مهما كانت التحديات، لأن صمودهم هناك هو صمام الأمان الأول لمصر والمنطقة بأكملها.
وأقولها بكل صراحة: الفاعل الأكبر في إفشال هذا المخطط هو الفلسطيني نفسه، يليه مباشرة موقفٌ مصريٌّ قويٌّ وواضح وداعم. فإذا استطاع الفلسطيني أن يصمد، واستطاعت مصر أن تحشد الدعم الكافي، فإن هذا المخطط سيسقط كما سقطت مشاريع تهجير سابقة.
السؤال الأهم الآن: هل سيغتنم النظام والمعارضة هذه الفرصة لتجاوز خلافاتهما، أم سنظل ندور في دائرة الاستقطاب الداخلي بينما تُرسم خرائط جديدة للمنطقة دون أن يكون لنا دورٌ في تحديد مستقبلنا؟
نسخ الرابط تم نسخ الرابط