في استجابة قوية لما نشره موقع “أخبار الغد” حول نهر الفساد المستشري في الهيئة العامة لقصور الثقافة والأقاليم والفروع الثقافية التابعة لها، ومع تقاعس وزارة الثقافة عن اتخاذ الإجراءات القانونية حيال وقائع الفساد التي تم الكشف عنها، اتخذ وزير الثقافة الدكتور أحمد هنو خطوة جريئة برفضه التجديد لضياء مكاوي، مدير إقليم وسط الصعيد الثقافي.
هذا القرار جاء في محاولة لقطع جذور الفساد المالي والإداري والمحسوبية التي طالما سيطرت على إقليم وسط الصعيد الثقافي، وإنهاء ما وصفته المصادر “بمستنقع الرذيلة” الذي أسفر عن إفساد قطاع الثقافة بشكل كبير، خصوصًا في ظل ما عرف إعلاميًا بعزبة ضياء مكاوي.
موقع “أخبار الغد” الذي انفرد بنشر تفاصيل فساد الهيئة الهيئة العامة لقصور الثقافة، كان منبرًا للكشف عن وقائع الفساد التي استمرت لعدة أشهر في ظل غياب الرقابة الكافية من وزارة الثقافة. ورغم المحاولات المتكررة لكشف هذه المخالفات، لم تتحرك الوزارة إلا بعد ضغط إعلامي كبير من موقع “أخبار الغد“.
تؤكد المصادر المطلعة أن رفض الدكتور أحمد هنو تجديد تعيين ضياء مكاوي في منصبه لم يكن قرارًا فرديًا أو عابرًا بل هو جزء من خطة شاملة تهدف إلى إصلاح الهيئة العامة لقصور الثقافة من جذورها.
وأكدت وزارة الثقافة بأن الفساد في إقليم وسط الصعيد الثقافي كان فقط بداية لكشف سلسلة من المخالفات المالية والإدارية في الأقاليم والفروع الثقافية الأخرى، والتي سيتم التحقيق فيها تباعًا.
وقد تم تفويض الدكتور جمال عبد الناصر، مدير عام إقليم وسط الصعيد الثقافي الحالي، بالقيام بالمهام المالية بدرجة رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة إلى حين تعيين خليفة دائم لضياء مكاوي.
ويأتي هذا القرار في وقت حاسم حيث تتزايد فيه الشكاوى من تردي أوضاع قصور الثقافة في مختلف الأقاليم، مع تعاظم شكاوى العاملين والجمهور من تراجع الدور التثقيفي والتنويري لهذه المراكز.
تدور الشكوك حول تورط العديد من الشخصيات البارزة في الهيئة في دعم ضياء مكاوي والبقاء على رأس منصبه رغم تزايد الشكاوى والانتقادات.
إلا أن قرار الدكتور أحمد هنو جاء حاسمًا، ليؤكد أن زمن المحسوبية قد انتهى وأن إصلاح الهيئة سيكون في مقدمة أولوياته خلال الفترة المقبلة.
ومن المتوقع أن يصدر قرار رسمي بإحالة ضياء مكاوي إلى منصب استشاري من الدرجة “ب” في بداية الأسبوع القادم، لحين الانتهاء من التحقيقات الجارية حول المخالفات المنسوبة إليه.
وذكرت المصادر أن التحقيقات تشمل مخالفات مالية وإدارية كبيرة، قد تسفر عن إحالة القضية إلى النيابة العامة.
هذا التحرك جاء بعد اكتمال المدة القانونية لمكاوي، حيث فشلت محاولاته للضغط من أجل تمديد فترة خدمته في الإقليم، في مواجهة إرادة الإصلاح التي بدأت تتضح مع تولي الدكتور أحمد هنو حقيبة وزارة الثقافة.
وهو ما اعتبره البعض “بداية الغيث” في إصلاح الهيئة العامة لقصور الثقافة، تلك الهيئة التي طغى عليها الفساد لفترة طويلة، حيث كان محمد ناصف، نائب رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة، متهمًا بالتستر على هذه المخالفات وعدم الاستجابة للشكاوى المتعددة التي وصلت إلى مكتبه.
مصادر مقربة من الهيئة أكدت أن محمد ناصف كان متورطًا بشكل غير مباشر في حماية ضياء مكاوي، حيث تغاضى عن الشكاوى التي وردت ضده طيلة فترة توليه منصبه.
ولقد تزايدت الانتقادات مؤخراً بسبب تجاهل ناصف للشكاوى المتعلقة بالفساد في الهيئة، مما أثار سخط العاملين والمثقفين على حد سواء. إلا أن تحركات وزارة الثقافة الحالية تشير إلى تغيير جذري في السياسة المتبعة، حيث يتم العمل على كشف جميع حالات الفساد وتقديم المتورطين فيها للمساءلة القانونية.
يعتبر هذا التحرك جزءًا من خطة الوزارة لإصلاح مؤسساتها الثقافية، حيث أكدت أنها لن تتهاون في محاسبة أي مسؤول يثبت تورطه في الفساد.
وتأتي هذه الإجراءات بعد تقارير عديدة كشفت عن تردي الأوضاع المالية والإدارية في قصور الثقافة، حيث أظهرت التحقيقات الأولية وجود مخالفات جسيمة في إدارة العديد من المشروعات الثقافية.
من جهة أخرى، تتجه الوزارة إلى مراجعة كافة الملفات المتعلقة بالمشروعات الثقافية الكبرى التي تم تنفيذها في الأقاليم المختلفة، والتي وردت بشأنها شكاوى متعددة حول وجود فساد مالي وإداري.
وتشمل هذه الملفات عقود الإنشاءات والتوريدات والأنشطة الثقافية التي تم تنظيمها خلال السنوات الأخيرة، حيث تعمل لجان التحقيق على تحديد المسؤوليات ومحاسبة المقصرين.
ويأمل الكثير من العاملين في قطاع الثقافة أن تكون هذه الخطوة بداية حقيقية للإصلاح داخل الهيئة العامة لقصور الثقافة، تلك الهيئة التي شهدت خلال السنوات الأخيرة حالة من الترهل الإداري والفساد المالي الذي أثر سلبًا على دورها الثقافي. ويؤكد العاملون أن الفساد لم يكن يقتصر على شخصيات بعينها، بل كان يمثل حالة عامة تحتاج إلى إصلاح شامل.
ويرى بعض المراقبين أن هذا التحرك الحاسم من قبل وزارة الثقافة جاء في الوقت المناسب، حيث كان من الضروري التحرك قبل أن تتفاقم الأمور أكثر، خصوصًا في ظل ما أثير مؤخرًا من تقارير حول تدهور أداء قصور الثقافة وتراجع الدور الذي من المفترض أن تلعبه في نشر الثقافة والتنوير في مختلف محافظات الجمهورية.
فإن قرار عدم التجديد لضياء مكاوي وتفويض الدكتور جمال عبد الناصر للقيام بمهام الإقليم يمثل رسالة واضحة من وزارة الثقافة بأنها جادة في محاربة الفساد، وأنها لن تتوانى عن اتخاذ أي خطوات ضرورية من أجل إعادة هيبة الهيئة العامة لقصور الثقافة وضمان عودة دورها الريادي في المجتمع.
نسخ الرابط تم نسخ الرابط