أخبار عاجلة
رياضة : إطلاق فريق الابتكار في جامعة عين شمس -

دكتور سامح مسلم يكتب : مصر وأمريكا: عندما تعيد الجغرافيا والتاريخ كتابة الاقتصاد العالمي

على مر العصور، كانت الجغرافيا أكثر من مجرد خطوط على الخرائط؛ كانت اليد الخفية التي ترسم مسار الأمم وتصوغ مصير الشعوب. واليوم، بينما تقف الولايات المتحدة على مفترق طرق تاريخي، ومصر تبحث عن نهضتها الاقتصادية، تبرز معادلة جديدة قد تعيد ترتيب أوراق الاقتصاد العالمي: تحالف استراتيجي يعيد لمصر دورها كمركز للصناعة والابتكار، ويمنح أمريكا فرصة لكسر هيمنة الصين على الاقتصاد العالمي.

عالم يتغير: أفول الهيمنة الأمريكية وصعود التنين الصيني

في العقد الأخير، شهد العالم تحولًا جذريًا، حيث فقدت الولايات المتحدة قبضتها المحكمة على الاقتصاد العالمي لصالح صعود الصين. لم يكن الأمر وليد الصدفة، بل نتيجة حتمية لمنطق الأسواق والتكنولوجيا والتوسع الجيوسياسي.

فمنذ نهاية الحرب العالمية الثانية، بنت أمريكا اقتصادها على قوة الدولار، الهيمنة الصناعية، والسيطرة على التكنولوجيا المتقدمة. لكنها، ككل الإمبراطوريات، بدأت تدخل مرحلة الركود، حيث تراجعت حصتها في الإنتاج الصناعي العالمي، وأصبحت الصين، بتخطيطها بعيد المدى، المصنع الأول للعالم، والمورد الأساسي للرقائق الإلكترونية، السيارات الكهربائية، والطاقة المتجددة.

اليوم، لم تعد واشنطن تقود الأسواق، بل تتبعها، ولم تعد تضع القواعد، بل تحاول التكيف معها. في المقابل، تتقدم بكين بخطوات ثابتة، مستغلة مبادرة “الحزام والطريق”، واستثماراتها الذكية في آسيا وإفريقيا، لتنسج شبكة اقتصادية تضعها على عرش العالم.

مصر.. الحصان الأسود في معركة الاقتصاد الجديد

لكن وسط هذه التحولات الكبرى، تبرز مصر كرقم جديد في المعادلة العالمية. ليست مجرد دولة نامية تبحث عن الاستثمار، بل بوابة اقتصادية تملك مفاتيح عدة لمعادلة التنافس العالمي. موقعها عند قلب العالم، يربط الشرق بالغرب، وإفريقيا بأوروبا. قناة السويس ليست مجرد ممر مائي، بل شريان اقتصادي عالمي، يمكن أن يصبح مركزًا لصناعة المستقبل.

الأيدي العاملة المصرية، التي تتجاوز 30 مليون شخص، تمثل كنزًا لم يُستغل بعد، في وقت تبحث فيه الشركات الأمريكية عن بدائل أرخص وأكثر استقرارًا من المصانع الصينية. مصر ليست فقط سوقًا، بل ورشة إنتاج هائلة، قادرة على استيعاب الصناعات التكنولوجية المتقدمة، والذكاء الاصطناعي، وصناعة السيارات الكهربائية.

مشروع التحالف الأمريكي-المصري: خطة لعشر سنوات تغير موازين القوة

لا تقوم الشراكات الاستراتيجية على المجاملات السياسية، بل على المصالح الاقتصادية. ولأول مرة، هناك فرصة لبناء تحالف اقتصادي أمريكي-مصري، يستند إلى رؤية واضحة، تهدف إلى نقل الصناعات من الصين إلى مصر، وتحويل البلاد إلى قاعدة تصنيعية للولايات المتحدة وحلفائها.

  1. التصنيع ونقل الصناعات الأمريكية إلى مصر
    إنشاء مناطق صناعية ضخمة في محور قناة السويس، تكون البديل الأمثل للصناعات التي تخرج من الصين. مصانع أشباه الموصلات، السيارات الكهربائية، والمعدات الطبية، كلها يمكن أن تجد في مصر أرضًا خصبة بتكاليف تشغيل منخفضة وحوافز استثمارية مشجعة.
  2. التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي
    بناء “وادي السيليكون المصري”، ليكون مركزًا للتطوير التكنولوجي والابتكار، بالتعاون مع كبرى شركات البرمجيات والذكاء الاصطناعي الأمريكية. تدريب مليون مبرمج مصري ليكونوا جزءًا من الاقتصاد الرقمي العالمي.
  3. الطاقة والمفاعلات النووية النظيفة
    استغلال احتياطي الثوريوم في مصر، الذي يمكن أن يضعها في مصاف الدول المنتجة للطاقة النووية النظيفة، وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، مما يوفر طاقة مستدامة للصناعة والزراعة.
  4. الزراعة واستصلاح الأراضي
    تحويل منخفض القطارة إلى بحيرة صناعية ضخمة، مما يخلق واحة زراعية قادرة على تحقيق الاكتفاء الذاتي لمصر، وتصدير الحبوب والمنتجات الزراعية للولايات المتحدة وأوروبا.
  5. إعادة هيكلة الاقتصاد المصري
    تحرير الاقتصاد المصري من سيطرة العسكر، وتمكين القطاع الخاص من قيادة التنمية، مع ضمان عدم التدخل السياسي في الاستثمار، مما يخلق بيئة تنافسية جذابة للمستثمرين الأجانب.

لماذا على أمريكا تبني هذه الخطة؟

بالنسبة لإدارة ترامب أو أي إدارة جمهورية مستقبلية، تمثل هذه الشراكة تطبيقًا عمليًا لشعار “أمريكا أولًا”. فهي لا تعني فقط تقليل الاعتماد على الصين، بل خلق ملايين الوظائف للأمريكيين عبر تعزيز سلاسل التوريد، وزيادة الصادرات، وفتح أسواق جديدة.

أما على المستوى الاستراتيجي، فإن تعزيز النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط وإفريقيا عبر البوابة المصرية، يعد خطوة أساسية لموازنة الصعود الصيني. فبدلًا من ترك بكين تفرض قواعد اللعبة عبر استثماراتها الضخمة، يمكن لواشنطن أن تضمن ولاء حليف استراتيجي، يمنحها السيطرة على واحدة من أهم المناطق الجغرافية في العالم.

الأثر المتوقع: اقتصاد جديد لعالم جديد

خلال عشر سنوات، يمكن لهذه الشراكة أن تحقق الآتي:
• رفع الناتج المحلي المصري بنسبة 35%، وتحويله إلى اقتصاد صناعي متكامل.
• خلق 5 ملايين وظيفة في مصر و500 ألف وظيفة في أمريكا، عبر الصناعات المشتركة.
• تقليل الاعتماد على الصين في التصنيع بنسبة 50%، مما يحمي الشركات الأمريكية من التبعية الاقتصادية.
• تحقيق اكتفاء ذاتي لمصر في الغذاء والطاقة، مما يجعلها مركز استقرار إقليمي.
• تعزيز النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط وإفريقيا، وكسر الهيمنة الصينية المتزايدة.

ختامًا: مصر.. القصة التي لم تُكتب بعد

هناك لحظات في التاريخ تصنع المستقبل، وهذه اللحظة واحدة منها. مصر ليست مجرد دولة تبحث عن الاستثمارات، بل بوابة إلى عصر جديد من التحالفات الاقتصادية، حيث تلتقي المصلحة الأمريكية مع الحلم المصري في مسار واحد.

في النهاية، ليست هذه مجرد خطة اقتصادية، بل فصل جديد في كتاب الاقتصاد العالمي، تُكتب سطوره في مصانع السويس، وحقول الصحراء الغربية، ومراكز الذكاء الاصطناعي في القاهرة الجديدة. وبينما يقلب العالم الصفحة على عصر الهيمنة الصينية، قد تكون الشراكة الأمريكية-المصرية هي السطر الأول في قصة جديدة… قصة لا تكتبها السياسة، بل تصنعها المصالح، ويؤكدها الزمن.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق عبور 150 شاحنة مساعدات من معبر رفح إلى قطاع غزة لدعم القطاع بالأزمة الحالية
التالى ياسر الهضيبي بعد تولي إدارة جريدة الوفد : أسعى لحل مشاكل المؤسسة وإحداث طفرة صحفية ومادية بحلول غير تقليدية