قال ترامب أمس سنسيطر على غزة “سنعيد إعمارها”، “سنمتلكها”، سنُطهّرها من سكانها”! هذه ليست مجرد كلماتٍ عابرة، بل إعلانٌ صريحٌ عن مشروع احتلالٍ جديد، مغلّفٍ بشعارات إعادة الإعمار ، فيما جوهره هو نكبةٍ جديدة على أنقاض الدم والرماد.
دونالد ترامب، الذي لم يخفِ يومًا ازدراءه للحقوق الفلسطينية، والذي يتعامل مع العالم كأنه مزرعة خاصة تحمل ختم “ترامب” الذهبي، يواصل هذيانه السياسي، متوهمًا أن غزة ليست أكثر من قطعة أرضٍ معروضةٍ في مزاد صفقاته، وأن الفلسطينيين ليسوا إلا أرقامًا على ورقٍ يمكن شطبها بجرة قلم.
أن تتحدث عن “السيطرة” على غزة باسم إعادة الإعمار، فهذا تبريرٌ فجٌ لمشروع احتلالٍ جديدٍ مغلّفٍ بمساحيق زائفة. هل رأى العالم من قبل محتلًا يدّعي أنه يريد إعادة إعمار أرضٍ لا يملكها؟ هل سمعنا عن قوةٍ استعماريةٍ تدخل أرضًا بدعوى “التنمية”، بينما تقصفها بالقنابل وتجرف هويتها من جذورها؟
كيف يمكن لترامب أن يتحدث عن “إعادة إعمار غزة”، بينما يدعم بلا حدود تدميرها على يد الاحتلال الإسرائيلي؟! من الذي قتل الآلاف؟ من الذي حوّل البيوت إلى ركام؟ من الذي أجهز على كل بنية تحتيةٍ للحياة في هذا المكان؟ هل أصبح القاتل هو الطبيب؟ هل صار الهدّام هو المهندس؟!
ثم جاء التصريح الأخطر: “سنُطهّر غزة من جميع أهلها”. ليست هذه زلة لسانٍ، ولا مجرد هفوة دبلوماسية، بل إعلان حرب إبادة وتطهيرٍ عرقيٍّ موصوف، واعترافٌ لا يقبل اللبس بأن ما يجري هو مخططٌ لإفراغ غزة من سكانها.
القانون الدولي واضحٌ وصريح:
المادة 49 من اتفاقية #جنيف الرابعة (1949) تُجرّم “النقل القسري الجماعي أو الفردي للأشخاص المحميين من الأراضي المحتلة.”
المادة 7 من نظام روما الأساسي لـ المحكمة الجنائيةالدولية تُصنف “التهجير القسري” ضمن “الجرائم ضد الإنسانية”.
القرار 194 الصادر عن الأمم المتحدة (1948) ينص على “حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم وتعويضهم”.
لكن السؤال الأكبر الآن ليس عن ترامب، بل عن أولئك الذين سيلتقونه خلال الأيام القادمة! ماذا سيقول له حكام الدول العربية الذين سيجلسون أمامه؟!
ماذا سيبررون وهم يمدّون أيديهم لمصافحته، بعد أن أعلن بوضوح أن غزة ليست للفلسطينيين، وأن التهجير القسري حلٌّ “نهائي” للقضية؟!
ماذا سيكون ردّهم وهم يبتسمون أمام الكاميرات، بينما العالم كله يسمع ويدوّن هذه التصريحات؟!
أي لقاءٍ هذا؟! وأي صمتٍ سيكون أكثر خزياً من الجلوس أمام رجلٍ يُعلن بلا مواربة أنه يريد طرد ملايين البشر من وطنهم؟!
إن لقاءات كهذه، وسط هذه التصريحات، ليست “اجتماعات دبلوماسية”، بل هي جلساتٌ تُكتب فيها بيانات الاستسلام، وخطابات التبرير، وصكوك الغفران لرجلٍ يخطّط لاقتلاع شعبٍ بأكمله.
لكن، ليفهم الجميع… غزة لن تُطهّر، بل ستطهّر نفسها من الاحتلال، غزة ليست للبيع، ولن تُمحى بقرار، ولن تُهدى لمستعمرٍ جديد.
غزة ليست بانتظار إعادة الإعمار على يد من قصفها، غزة لن تُفرّغ من أهلها، ولن تُزال من الخريطة، ولن تسقط في دهاليز الصفقات الرخيصة.
ترامب يظن أن بإمكانه رسم حدودٍ جديدة للعالم، كما رسم حدوده على ملاعب الجولف والفنادق الفاخرة. لكن فلسطين ليست ملعبًا، ولا غزة منتجعًا، ولا الشعب الفلسطيني ضيفًا ينتظر موعد المغادرة. والسؤال يبقى معلقًا في الهواء: عندما يجلس الحكام العرب أمام ترامب… ماذا سيقول لهم؟ وماذا سيقولون له؟!
نسخ الرابط تم نسخ الرابط