في مشهد مؤسف يثبت يوما بعد يوم استمرار الفساد والتقاعس الإداري في الهيئة العامة لقصور الثقافة، يظل محمد ناصف نائب رئيس الهيئة، أبرز من أضاف عبئًا ثقيلًا على هذه الهيئة التي كانت تتخبط في إدارة العديد من المهام الأساسية.
ناصف الذي يتسم بضعف القدرة على اتخاذ القرارات، واتباع سياسة فرق تسد بين القيادات في الهيئة، أصبح يضرب بعرض الحائط أبسط قواعد العمل الإداري، مما أثر سلبًا على كل الجوانب الإدارية والثقافية داخل الهيئة.
في فترة توليه المنصب، تفاقم حجم الفساد بشكل غير مسبوق، إذ تكاثرت شكاوى الفساد التي لم يُتخذ فيها أي إجراء حقيقي. على العكس من سلفه الدكتور أحمد عواض، رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة الأسبق، الذي اتسم بالحزم والشجاعة في اتخاذ القرارات الحاسمة التي فرضت الانضباط داخل الهيئة، كان ناصف يعيش حالة من الخوف المستمر على منصبه.
فلم يكن قادرًا على محاسبة الفاسدين أو اتخاذ إجراءات ضد المخالفين، بل كان يتستر على العديد من وقائع الفساد التي كانت تتوالى يومًا بعد يوم.
إحدى أبرز المشاهد التي تفضح التقاعس والفساد في عهد ناصف، هي القضايا المثارة ضد ضياء مكاوي القائم بأعمال رئيس إقليم وسط الصعيد الثقافي، الذي انتهت ولايته في 22 نوفمبر الماضي.
على الرغم من تلك القضايا والشكاوى المتعددة التي تم رفعها ضده، إلا أن محمد ناصف لم يتخذ أي قرار جاد بإحالته للتحقيق. بل كان الأمر نفسه مع عبد الحليم سعيد، مدير عام التفتيش، الذي أظهرت التحقيقات أنه يخالف بطاقة الوصف الوظيفي ويقترف العديد من المخالفات التي تضر بمصلحة الهيئة. تلك الوقائع، وغيرها من القضايا التي كانت تُعالج بتجاهل من ناصف، جعلت الهيئة تترنح أكثر وأكثر.
لكن القصور الإداري الذي يعاني منه قطاع الثقافة في مصر لا يتوقف عند هذا الحد. فقد فشل محمد ناصف في إدارة العديد من المناصب القيادية في الهيئة التي كانت قد شغرت لفترات طويلة، مثل فرع ثقافة سوهاج، وفرع ثقافة بني سويف، وفرع ثقافة الإسكندرية، وفرع ثقافة جنوب سيناء، والعديد من الإدارات الأخرى. ورغم تلك المناصب الشاغرة، لم يتخذ ناصف أي خطوات حقيقية لسد هذه الثغرات، مما أدى إلى عجز تام في حركة العمل داخل هذه الإدارات. وكانت الهيئة تتحرك “بقوة الدفع الطبيعية” فقط، دون أي تدخل فعّال من ناصف.
هذا التخبط الإداري الذي يشهده إقليم جنوب الصعيد الثقافي وغيره من الأقاليم في مصر، أصبح يتطلب محاسبة فعلية لنائب رئيس الهيئة. فكيف يعقل أن هذه الإدارات القيادية تظل شاغرة لفترات طويلة دون أن يتم اتخاذ إجراءات لتعيين موظفين جدد لشغل تلك المناصب؟ وكيف يمكن لهيئة كبيرة مثل هذه أن تستمر في هذا الفوضى؟ من الضروري محاسبة محمد ناصف على هذا التقاعس، كما يجب محاسبة الإدارة العامة للموارد البشرية التي لم تقدم تقريرًا يوضح خلو هذه المواقع القيادية، وكان يجب التنبيه بوقت كافٍ لتوفير البدائل.
ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقد أعاد محمد ناصف بعض الشخصيات التي كان من المفترض أن تكون قد خرجت من المشهد بشكل نهائي، مثل طارق الفخراني ومحمد عمارة، اللذين تم استعادتهما للعمل في الهيئة رغم ما عليهما من علامات استفهام تتعلق بالعلاقات المشبوهة والفساد الإداري الذي ارتكبوه في فترات سابقة. أما فاطمة عبد الشافي، التي كانت قد أُحيلت إلى المعاش، فتم التعاقد معها بشكل مؤقت للإشراف على المهرجانات والفعاليات الثقافية، رغم أنه كان هناك موظفون أكفاء يمكنهم تولي هذه المهام. لكن مجاملات ناصف ومحاباته لأشخاص في مناصب غير مستحقة جعلت الهيئة تتخبط في هذه القرارات.
إن الهيئة العامة لقصور الثقافة، التي من المفترض أن تكون منارة للفكر والثقافة في مصر، تحتاج إلى إعادة هيكلة جادة، مع ضرورة إبعاد محمد ناصف عن المشهد الثقافي تمامًا. فمن غير المعقول أن يستمر هذا الشخص الذي فشل في إدارة الهيئة في العودة مرة أخرى، ويستمر في تدمير ما تبقى من هيكل الهيئة. إن استبعاد ناصف وتعيين قيادات جديدة على قدر من المسؤولية، أصحاب قرار وحزم، هو الحل الوحيد لإعادة الهيبة للهيئة وإعادة الحياة لقصور الثقافة في كافة الأقاليم.
يجب أن تلتفت الحكومة المصرية إلى هذه القضية بشكل جاد، فلا يعقل أن يتم السماح لهذه الفوضى بالاستمرار. فمحمد ناصف كان قد تم استبعاده من الهيئة في بداية عام 2016 بسبب فشله في إدارتها، كيف يعقل أن يتم إعادته الآن؟ لقد أثبت خلال فترة وجوده في المنصب أنه ليس قادرًا على اتخاذ القرارات الضرورية، بل إنه كان يساهم في ترسيخ الفساد وتفشيه داخل الهيئة.
إذا أرادت وزارة الثقافة أن تستعيد الهيئة العامة لقصور الثقافة قوتها ودورها الحيوي في المجتمع، فعليها أن تراجع بشكل عاجل قراراتها في ما يخص الشخصيات القيادية التي يتم اختيارها لتولي هذه المناصب، وأن تضع حدًا للتسيب والتجاهل الذي يعاني منه الجهاز الإداري في الهيئة.
نسخ الرابط تم نسخ الرابط