في وقت تتفاقم فيه الأزمات الاقتصادية وتزداد معاناة المواطن المصري بسبب السياسات الحكومية الفاشلة تواصل القروض الممنوحة للقطاع الخاص القفز بشكل غير مسبوق حيث ارتفعت بنسبة 26.7% خلال العشرة أشهر الأولى من العام الجاري وهو ما يعكس حجم الفوضى الاقتصادية التي تعيشها البلاد نتيجة لتراخي الحكومة وعدم قدرتها على إدارة الاقتصاد الوطني بطريقة سليمة في ظل الظروف الراهنة وارتفاع حجم الدين المحلي والخارجي.
الزيادة في القروض التي تحصل عليها الشركات الخاصة وصلت إلى نحو 547.6 مليار جنيه، وهو ما يعكس تزايد الاعتماد على الاقتراض لتمويل الأنشطة الاقتصادية بعيدًا عن أي تطور حقيقي في الإنتاج المحلي أو خلق فرص عمل جديدة.
بلغ إجمالي التمويلات التي حصل عليها القطاع الخاص في نهاية أكتوبر الماضي نحو 2.6 تريليون جنيه مقارنة بـ 2.04 تريليون جنيه في نفس الفترة من العام الماضي، ما يعني أن القطاع الخاص المصري يعاني من أزمة كبيرة في تدبير الموارد اللازمة لتمويل مشروعاته ويبحث عن حلول من خلال الاقتراض من البنوك.
في ظل هذا الوضع يزداد الاستغلال من قبل البنوك المحلية التي تواصل منح القروض للقطاع الخاص بأسعار فائدة مرتفعة وسط غياب كامل لأي رقابة حقيقية على هذه العملية حيث تسعى هذه البنوك لتحقيق أرباح ضخمة على حساب القروض التي يتم منحها في وقت تعاني فيه الاقتصاديات الكبرى من الانكماش والركود.
هذا الوضع المأساوي يظهر بوضوح في حجم الأموال التي يتم ضخها في القطاع الخاص والتي يتم استخدامها في استيراد السلع والمنتجات من الخارج بينما يظل الإنتاج المحلي في تراجع مستمر بسبب غياب الخطط التنموية الفعالة من قبل الحكومة.
لكن الأوضاع أسوأ من مجرد زيادة في حجم القروض حيث أدت القرارات الحكومية الأخيرة بشأن تحرير سعر صرف الجنيه إلى مضاعفة حجم القروض بالعملات الأجنبية التي تحصل عليها الشركات الخاصة ثلاث مرات، وهو ما يعني تفاقم العجز التجاري وزيادة الالتزامات المالية على هذه الشركات في المستقبل.
إن هذا التغيير الخطير في سياسة الصرف أدى إلى ضغوط هائلة على القطاع الخاص بما يهدد قدرته على الوفاء بالتزاماته المحلية والخارجية ويفتح المجال للمزيد من التدهور في القطاع المصرفي الذي يعاني أصلاً من مشاكل حادة.
من المفارقات المزعجة أن الحكومة المصرية التي تدعي سعيها لتحقيق الاستقرار الاقتصادي تجد نفسها عاجزة تمامًا عن وضع حلول حقيقية للأزمات المالية المتراكمة.
تزداد مؤشرات الفساد في مختلف القطاعات ولا سيما في القطاع المصرفي الذي يواصل تمويل القطاع الخاص على حساب قدرة المواطن المصري على توفير احتياجاته الأساسية. هذا الوضع يعكس مدى الفشل الحكومي في اتخاذ خطوات حقيقية للتغلب على الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد.
المشهد الاقتصادي الراهن في مصر يُظهر أن الحكومة المصرية تفضل سياسة الاقتراض كحل لمشاكلها المالية، لكنها تغفل تماما عن النظر في انعكاسات هذا الاقتراض على المواطنين وعلى الاقتصاد الوطني بشكل عام.
تكاد تكون الأزمات المتراكمة بلا حلول حيث يُبذل الكثير من الجهد لتقديم تبريرات غير مقنعة تبرر اتخاذ المزيد من السياسات التي تزيد من العجز المالي ورفع معدلات الدين العام. في الوقت ذاته تتعالى أصوات رجال الأعمال الذين يحققون أرباحًا ضخمة من هذه السياسات غير المدروسة.
من جهة أخرى، يظل المواطن المصري في معركة يومية للبقاء على قيد الحياة في ظل موجات غلاء غير مسبوقة وانخفاض مستمر في قيمة الجنيه المصري.
وقد أصبح من الواضح أن الحكومة المصرية تدير اقتصادًا هشًا بعيدًا عن احتياجات الشعب وأولوياته التي لا تقتصر فقط على توفير القروض للشركات الخاصة ولكن أيضًا على حل الأزمات الاقتصادية المتلاحقة التي تؤثر بشكل مباشر على الطبقات الفقيرة والمتوسطة.
الحكومة لا تلتفت إلى هذا الواقع المرير بل تواصل السير في نفس الطريق الذي يعزز التبعية للديون ويقوي الفساد في المؤسسات المالية الحكومية.
ليس من المبالغة القول إن النظام المصري الحالي لا يقدم أي حلول حقيقية لمشاكل البلاد بل يساهم في تفاقم الأوضاع الاقتصادية التي تزداد سوءًا.
إن زيادة حجم القروض الممنوحة للقطاع الخاص في ظل تدهور الوضع الاقتصادي العالمي وتراجع مستوى الإنتاج المحلي يعكس عجزًا حكوميًا عن تقديم أي حلول جذرية ومستمرة.
كذلك، استمرار الضغط على القطاع الخاص في ظل سياسة تحرير سعر الصرف يهدد بكارثة اقتصادية أكبر. إذا كانت الحكومة تريد بالفعل أن تحقق أي نجاح اقتصادي فعلي يجب عليها أن تبدأ بإصلاح سياساتها النقدية وأن تضع خطة استراتيجية للنهوض بالإنتاج المحلي بدلاً من الاستمرار في سياسة الاقتراض التي تضع الدولة في دوامة لا تنتهي من الديون.
إن هذا الوضع يبين بوضوح كيف أن الحكومة المصرية تدير الاقتصاد بشكل غير مسؤول مما يزيد الفجوة بين الأغنياء والفقراء ويزيد من احتمالات وقوع البلاد في أزمة مالية أكبر في المستقبل.
نسخ الرابط تم نسخ الرابط