في ظل حالة من الفوضى والفساد الإداري والمالي، يتواصل مسلسل الجرائم التي يرتكبها عماد فتحي مدبولي، المسؤول الأول في إقليم جنوب الصعيد الثقافي، الذي أصبح رمزًا للمحسوبية والفساد الذي يطال كل جوانب العمل الثقافي في هذه المنطقة.
وزارة الثقافة والهيئة العامة لقصور الثقافة تبدوان عاجزتين عن إيقاف هذا التدهور، بل أصبح الوضع يشهد المزيد من التدهور كل يوم.
فقد تحولت المؤسسات الثقافية في الإقليم إلى “عزبة” خاصة، تدار وفقًا لأهواء ومديرين لا يفقهون شيئًا عن العمل الإداري أو الثقافي، بل هم مجرد أدوات لتنفيذ الأجندات الشخصية في صفقات مشبوهة على حساب المال العام.
من أبرز مظاهر الفساد المستشري في هذا الإقليم هو تعيين محمد رجب، الذي لا يملك أي مؤهلات إدارية أو ثقافية، مديرًا عامًا لفرع ثقافة البحر الأحمر.
وقبل أن نغوص في تفاصيل هذا التعيين المشبوه، يجب أن نعود إلى الوراء لنتذكر السلسلة الطويلة من الإخفاقات التي رافقت مسيرة هذا الشخص.
محمد رجب، الذي كان يشغل منصب مدير قصر ثقافة الأقصر، فشل فشلًا ذريعًا في إدارة هذا القصر، وهو ما دفع رئيس إقليم جنوب الصعيد الثقافي الأسبق، سعد فاروق، إلى نقله إلى وظيفة مدير بيت ثقافة في قرية الأقالتة.
هنا أيضًا، لم تكن الأمور أفضل؛ فقد فشل في إدارة هذا البيت أيضًا، حتى وصلت الأمور إلى تحرش محمد رجب بموظفتين، مما أدى إلى تقديم إحدى الضحايا شكوى رسمية للنيابة الإدارية، التي كشفت فضيحة تحرشه على رؤوس الأشهاد.
لكن رغم كل هذا الفشل، نجد أن عماد فتحي مدبولي لا يتوانى عن الدفع به إلى مناصب أكبر. فبعد فشله الذريع في الأقصر وفي قرية الأقالتة، قام فتحي مدبولي بترشيح محمد رجب لتولي منصب مدير عام فرع ثقافة الأقصر، في وقت كان فيه المحاسب عمرو البسيوني، رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة الأسبق، على رأس العمل.
لكن بفضل حكمته وإدارته السليمة، رفض البسيوني هذا الترشيح، حيث كان يعرف تمامًا أن محمد رجب ليس إلا شخصًا فاشلًا لا يمتلك الحد الأدنى من الكفاءة لإدارة هذا المنصب.
ولكن عماد فتحي مدبولي لم يتوقف عند هذا الحد. استغل علاقته القوية مع نائب رئيس الهيئة، محمد ناصف، الذي يبدو أنه يتعامل مع الأمور من منطلق “كيد النسا” لا أكثر، حيث بدأ عماد فتحي يروج له في الكواليس على أنه الشخص المثالي لهذا المنصب.
وقام بفضح البسيوني أمام ناصف بأنه كان قد رفض تعيين رجب سابقًا، مما كان له تأثير حاسم في قرار ناصف بسرعة إصدار قرار بتعيين محمد رجب مديرًا عامًا لفرع ثقافة البحر الأحمر.
منذ تعيينه، أصبح محمد رجب في هذا المنصب مجرد دمية بيد عماد فتحي. فقد تاه تمامًا في بحر من القضايا الإدارية والمالية والفنية التي لا يفهم عنها شيئًا.
صار يتلقى تعليمات تهكمية من الموظفين الصغار في الفرع، الذين كانوا يتعاملون مع قراراته بسخرية. بل وصل الأمر إلى استدعائه عدة مرات من قبل الرقابة الإدارية بسبب مخالفات مالية وإدارية متعددة.
ورغم تلك التحقيقات، يستمر رجب في منصبه، ليس بسبب كفاءته، ولكن بفضل الضغوط التي يمارسها عليه عماد فتحي، الذي لا يرى في هذا المنصب سوى وسيلة لتحقيق مكاسب مالية غير مشروعة.
ما يثير الاستهجان أن محمد رجب نفسه يعترف علنًا بعدم قدرته على تحمل المسؤولية في هذا المنصب، بل ويكرر مرارًا وتكرارًا أنه لا يريد هذا المنصب وأنه لا يملك الإمكانيات المطلوبة له.
لكنه، ورغم كل هذا، يظل في منصبه تحت ضغط من عماد فتحي، الذي يستفيد من جهله وافتقاره لأبسط مهارات الإدارة.
بل إن عماد فتحي يستمر في استخدام محمد رجب لتحقيق مكاسب شخصية غير قانونية، دون أي اعتبار لمصلحة العمل أو المال العام.
ما يحدث في إقليم جنوب الصعيد الثقافي ليس مجرد أخطاء أو تعيينات غير موفقة، بل هو فساد ممنهج يهدف إلى إهدار المال العام وتدمير المؤسسات الثقافية.
يبدو أن عماد فتحي مدبولي قد تحول إلى رمز للفشل والفساد، ويبدو أن الهيئة العامة لقصور الثقافة ووزارة الثقافة لا تملكان القدرة أو الإرادة للتصدي لهذا التدهور الذي يهدد مستقبل الثقافة في هذا الإقليم.
إن ما يحدث في إقليم جنوب الصعيد الثقافي هو كارثة حقيقية يجب على الجهات المعنية أن تتحرك بسرعة لوقفها. لا يمكن السكوت بعد الآن على الفساد المستشري في هذه المؤسسات.
إن استمرار هذه الممارسات يعني تدمير الثقافة المصرية في واحدة من أهم مناطقها، ولن يكون لذلك تأثير سوى على تهديد الأجيال القادمة بالتفكير الضيق والمحدود.
إن عماد فتحي مدبولي ومحمد رجب وغيرهم من المتورطين في هذا الفساد يجب أن يحاسبوا على تدمير هذه المؤسسات التي كان من المفترض أن تكون منبرًا للعلم والمعرفة والفن.
لا بد من اتخاذ إجراءات عاجلة لوضع حد لهذا التدهور، من خلال محاسبة كل من تورط في هذا الفساد، وتعيين قيادات كفؤة ونزيهة قادرة على إدارة هذه المؤسسات بما يحقق المصلحة العامة ويعيد للثقافة المصرية مكانتها التي تليق بها.
نسخ الرابط تم نسخ الرابط