بدأ الفلسطينيون بالعودة إلى مناطق شمال قطاع غزة بعد أشهر من النزوح القسري تحت القصف الإسرائيلي الذي استمر بلا توقف، ليشكل المشهد صدمة لإسرائيل ويكشف عن فشل عسكري وسياسي مدوٍّ.
أثار هذا التحول ردود أفعال إسرائيلية غاضبة، حيث اعتبرته الحكومة الإسرائيلية بمثابة انتصار غير مباشر لحركة حماس. عجزت إسرائيل عن فرض إرادتها رغم قوتها العسكرية، ليبقى الفلسطينيون ثابتين في أرضهم، متحدين أمام كل محاولات التدمير والضغط.
إسرائيل تُقر بالفشل في مواجهة حماس
واجهت إسرائيل بعد أيام من عودة الفلسطينيين إلى الشمال قسوة الواقع، وظهر وزير الأمن القومي المستقيل، إيتمار بن غفير، في صورة من الخيبة والإحباط. اعتبر بن غفير أن عودة السكان إلى مناطقهم في شمال غزة هي صورة واضحة لهزيمة إسرائيلية وجزء من صفقة غير شرعية فرضتها أطراف دولية.
واعتبر أن هذا الحدث لا يعدّ انتصاراً بل استسلاماً تاماً، مؤكداً أن الجنود الإسرائيليين لم يقاتلوا ولم يضحوا في سبيل إخلاء غزة من سكانها، بل لتسمح بهذا المشهد المهين.
حماس تحقق انتصاراً استراتيجياً عسكرياً
قلبت الأحداث المشهد العسكري تماماً. صرّحت إذاعة الجيش الإسرائيلي بأن حركة حماس قد حققت ما كانت تريده بالفعل من خلال عودة الفلسطينيين إلى شمال القطاع. وصار واضحاً أن العودة إلى القتال في هذه المنطقة المكتظة بالسكان ستكون مهمة شبه مستحيلة، حيث تفاقم الوضع بعد المرحلة الأولى من الاتفاق.
أكدت مصادر عسكرية إسرائيلية أنه كان من الضروري الحفاظ على محور نتساريم كورقة ضغط تفاوضية، ولكن مع فتح هذا المحور لم تحصل إسرائيل على أي مكاسب تذكر.
انسحاب إسرائيلي يفضح ضعف قوات الاحتلال
في صباح اليوم، بدأت القوات الإسرائيلية الانسحاب من محور نتساريم، الفاصل بين شمال وجنوب غزة، وهو ما يشير إلى تراجع حقيقي أمام المقاومة الفلسطينية.
منذ بداية العملية العسكرية البرية الإسرائيلية في أكتوبر 2023، شكّل محور نتساريم نقطة استراتيجية في الصراع، لكن مع انهيار خطة الاحتلال وعودة الفلسطينيين إلى الشمال، بات الانسحاب من هذه المنطقة بمثابة اعتراف بفشل المخطط الإسرائيلي، وإظهار لمدى تأثير المقاومة الفلسطينية في تغيير مسار الحرب.
المقاومة الفلسطينية تُحسم الحرب لصالحها
أكّد الباحث العسكري، جاك نيريا، أن الحرب في غزة قد حسمت لصالح حماس وأن الاحتلال الإسرائيلي قد فشل في تحقيق أهدافه المعلنة.
أشار إلى أن الحركة الفلسطينية ما تزال تدير شؤون القطاع وتثبت سيطرتها على الأرض، وأن عودة الفلسطينيين إلى شمال غزة تمثل نهاية للصراع العسكري بشكل عملي.
ورغم أن إسرائيل لم تحقق الهدف المعلن بتدمير حماس أو تحرير الأسرى، فإن هذه المرحلة تمثل خسارة كبيرة بالنسبة لها.
التهجير القسري والعواقب الإسرائيلية
سجّل التاريخ الفلسطيني لحظات مأساوية، حيث تم تهجير آلاف المدنيين الفلسطينيين من منازلهم في شمال قطاع غزة نتيجة للحملة العسكرية الإسرائيلية التي استهدفت البنية التحتية الفلسطينية في محاولة لتدميرها بالكامل.
استمرت الإبادة الجماعية لأكثر من 15 شهراً، مما دفع السكان إلى اللجوء إلى مناطق أخرى في القطاع بحثاً عن مأوى. لكن عودة هؤلاء السكان إلى أراضيهم في الشمال تكشف عن عدم قدرة إسرائيل على تنفيذ مخططاتها القاسية، بينما تواصل حماس تعزيز وجودها على الأرض.
وقف إطلاق النار يراهن على محادثات غير متكافئة
في 19 يناير 2025، دخل وقف إطلاق النار حيز التنفيذ بين الاحتلال الإسرائيلي والمقاومة الفلسطينية، ليشكل مرحلة أولى من اتفاق يمتد إلى 42 يوماً.
وتحت ضغوط دولية، دخلت الأطراف في مفاوضات تحت وساطة مصرية وقطرية وأمريكية. ولكن إسرائيل لم تلبِّ مطالبها بالكامل، وبقيت مجبرة على فتح محور نتساريم أمام الفلسطينيين، وهو ما يُعتبر فشلاً دبلوماسياً وعسكرياً.
هذا الاتفاق لم يكن سوى مجرد تكتيك لتخفيف الضغط على الاحتلال، لكنه بالكاد يخفف من وطأة الانتصارات المتتالية التي تحققها المقاومة.
إسرائيل أمام خيارين مريرين
تجد إسرائيل نفسها أمام مأزق شديد: إما الاستمرار في سياسة الضغط العسكرية واللجوء إلى التصعيد الذي أصبح مكلفاً جداً في ظل الحرب النفسية والإعلامية التي تخوضها حماس على الجبهة العالمية، أو إقرار حقيقة فشلها العسكري في القطاع والبحث عن مخرج سياسي تفاوضي يحفظ ماء وجهها في ظل العزلة الدولية المتزايدة. وهذا المأزق يعكس ضعف إسرائيل أمام إرادة شعبٍ لا يركع مهما تكالبت عليه الأزمات.
عودة الحياة إلى شمال غزة: كارثة إسرائيلية على الأرض
تظهر الأيام القادمة أن عودة الفلسطينيين إلى شمال غزة ليست مجرد حركة جغرافية، بل هي تعبير عن إرادة شعبية ثابتة لا تقهر. تمثّل هذه العودة فشلاً في الخطة الإسرائيلية التي ظنّت أن تهجير السكان قسراً سيؤدي إلى قهر المقاومة الفلسطينية. بدلاً من ذلك، جعل هذا الفشل الاحتلال أمام مشهد كارثي من الفوضى والهزيمة.
نسخ الرابط تم نسخ الرابط